المنبرالحر

حول اشكالية المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية / ابراهيم المشهداني

خلال التصويت على قانون البطاقة الوطنية في البرلمان العراقي احتدم الجدل وخاصة من قبل ممثلي الاقليات الدينية حول نص المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية والتي تنص في الفقرة اولا: (يجوز لغير المسلم تبديل دينه) وفي الفقرة ثانيا تنص على: (يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين) وسوف لن اتطرق الى الفقرة ثالثا لأنها ترسم آلية التبديل في المحكمة المختصة . ومن الطبيعي ان يأخذ هذا الجدل في هذه المسألة الحساسة طابعا ساخنا بسبب الاثار النفسية والاجتماعية التي تتركها هذه المادة وتطبيقاتها في الواقع على جمهرة كبيرة من المت?ينين او المنتمين الى الديانات غير الاسلامية، وما اثبتته التجربة الماضية على هذا الوسط، وهو ليس بالقليل، فضلا عن تعارض هذه النصوص مع حقوق الانسان والمواد الدستورية الواردة في متن الدستور العراقي النافذ .
بيد ان هذا الجدل على مشروعيته ينبغي الا يكون معزولا عن سياقه التاريخي فهذه المادة لم يجرِ تثبيتها في هذا القانون وإنما يمتد تاريخيا في النص والتطبيق الى قوانين الاحوال المدنية السابقة، وكلها تستمد روحيتها من الدساتير العراقية السابقة المؤقتة او الثابتة التي تشير الى ان الاسلام هو دين الدولة الرسمي فضلا عما جاء في الفقرة (2) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي نصت في اولا منه ( الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساس للتشريع) وفي البند ( ا ) من هذه الفقرة تم النص على انه : ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام)، وجاء في المادة 20 من قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل ما نصه: (يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقا لإحكام هذا القانون) ونصت الفقرة (2) من المادة الحادية والعشرين على ان (يقع تبديل الدين في المحكمة الشرعية او محكمة الأحوال الشخصية كل حسب اختصاصها ويمكن تبديل الاسم المجرد من قبلها اذا اقترن بتبديل الدين ولا يخضع تبديل الاسم في هذه الحالة لإجراءات النشر المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة وينفذ القرار او الحجة الشرعية الصادرة بهذا الشأن في السجل المدني. ونصت الفقرة (3) من هذه المادة على ان (يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين ) وهذه النصوص مشتقة من القانون السابق رقم 189 لسنة 1964 المعدل، ومن القوانين السابقة لهما، ومن ذلك كله يتضح ان النصوص الواردة في قانون البطاقة المدنية بخصوص الدين مستقاة من قوانين سابقة .
وانطلاقا مما تقدم ينبغي النظر الى هذه الاشكالية المعقدة ضمن سياقها التاريخي اولا، ومن ثم المنهج السياسي الذي سارت عليه الدولة العراقية الجديدة بعد عام 2003 الذي ارسى بناءه السياسي على اساس الطائفية السياسية والقومية والاثنية ووفق توافقات خارجة عن اطار الدستور وبتأثير العوامل الخارجية الاقليمية والعالمية ولهذا ليس بالإمكان تصور حل هذه الاشكالية القانونية ببساطة، لان الحل في مثل هذه الامور الشائكة يتطلب النضال بصبر من اجل تحقيق قناعات جمعية مشتركة على ايقاع بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم فيها الحقوق القومية والدينية وعلى اساس دستور ديمقراطي وقوانين منبثقة عنه لا مكان فيه للإقصاء او التمييز بين الديانات والقوميات المتعايشة في هذا الوطن كبيرها وصغيرها وبناء عليه فان الجدل حول هذا الموضوع ينبغي ان ينصرف الى البحث عن بدائل مقنعة وعملية بعيدة عن السياسة وانشائياتها وان يجري التركيز على الجوانب الدستورية والسعي الحثيث إلى تعديل المادة ( 2) من الدستور بما ينص على ان الاديان متساوية الحقوق امام القانون وإلغاء الفقرة ثانيا منه، هذا اذا اتفق الرأي الجمعي في البرلمان على انعاش الحياة الديمقراطية في البلاد وإلغاء كل اشكال التمييز بين المواطنين العراقيين في اطار قيام نظام سياسي مدني ، واستكمالا لهذا التوجه الذي لا يمكن توقع جريانه بالسلاسة المأمولة فان الخطوة العملية اللاحقة الممكنة كما ارى تقوم على اساس الغاء حقل الديانة في سجلات الاحوال المدنية المعتمدة حاليا وقاعدة المعلومات المدنية التي يجري بناؤها تدريجيا وتاخذ سنوات عدة، وإذا ما تم ذلك فان المشكلة ستبقى على ذمة القضاء الذي يبني قراراته على اساس القوانين والمسلمات الفقهية التي يمكن ان تتبلور في قادم الايام من خلال حوارات دينية جادة غايتها تنوير المفاهي? والتطبيقات في مقاربات انسانية وديمقراطية .
على انه تمكن الاستفادة من تجربة طبقت في نهايات النظام السابق وتحديدا في منتصف تسعينات القرن الماضي وتقوم على تعليمات اصدرتها رئاسة ديوان الرئاسة في النظام السابق تسمح لمن بلغ سن الرشد من القاصرين الذين اعتنقوا الاسلام استناد الى ديانة احد الابوين ، اقامة الدعوى في المحكمة المختصة للعودة الى ديانته السابقة وهذه التعليمات وان لم ترتق الى مستوى القانون ولكنها كانت حلا لمشكلة كبيرة تمت في ظل نظام ديكتاتوري تعكز في اواخر ايامه على الطائفية السياسية فهل هذا عصي على نظام ينشد الديمقراطية ويصرح بها في كل يوم ساعة ؟