المنبرالحر

العراق ومصر – تناقض الشعارات مع التطبيقات / زاهر نصرت

ليست الثورات ما تقوم به جموع الجماهير الحاشدة الطموحة للحرية والعدل فحسب ، وانما الثورات هي الأفكار التي تغّير والتي قد يشعلها افراد او يدونها فلاسفة او يجربها علماء لتصبح ثورات علمية واجتماعية واقتصادية تغير مجرى نهر الحياة .
لكن هل من الجائز ان تأخذ هذه الثورات الطابع الديني في قيادتها ومطالبها المشروعة ، فالمواطن في النهاية لا يطمح الا في تحقيق حريته وان يعمل بكفاءة في مجال عمله بالشكل الذي يوفر له الرزق القادر على تمتعه هو وابناؤه بالتعليم والرعاية الصحية الجيدة والحياة المطمئنة بشكل انساني ، وهذا هو الهدف في إقامة المجتمعات الديمقراطية بدون تمييز بين أبناء الوطن والقانون هو الذي يحكم العلاقات بينهم بتحقيق العدل والمساواة للجميع .
لدينا نموذجان في العالم العربي سقط وانهار نظامهما الحاكم ، هما النموذج العراقي والنموذج المصري ، فالأول اصبح لديه تغيير في نظام السلطة بفعل تدخل قوة خارجية اسقطت نظام لحزب حكم لمدة تزيد عن 35 سنة ، والثاني اسقط نظامه بفعل تحرك جماهيري داخلي واسع وجبار بعد حكم قارب زهاء 30 سنة . وهذان النموذجان بالتالي متساويان في تغيير وقلب نظام الحكم وهذا التغيير سيان أحصل بفعل قوة خارجية ام داخلية فالنتيجة واحدة .
لقد سمح هذا التغيير في فتح الباب على مصراعيه لدخول تيارات قوى دينية في العملية السياسية عبر الأحزاب التي أثارت تساؤلات عديدة في هاتين الدولتين عما اذا كانت هذه القوى تبتغي في عملها السياسي هذا في تحويل المجتمعين اللذين حصلا على حريتهما الى ما يسمونه بالدولة الدينية او الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية ، وينبغي بطبيعة الحال وهذا ما أؤكد عليه هنا ان الممارسة السياسية لهذه الأحزاب يجب الا تتم الا من خلال اطار مدني يمكنها من ان تكسب ثقة مختلف طوائف المجتمع وان تقدم نموذجاً عملياً تؤكد فيه استيعابها الكامل لفكرة المساواة بين جميع المواطنين والايمان بالديمقراطية وحرية الفرد والا تكتفي بالشعارات بل ان تقدم المَثل الديمقراطي من خلال إدارة الشأن الداخلي لمؤسساتها الحزبية المدنية الوليدة، وعمل قيادات تلك المؤسسات على إدارة شؤون الإدارة الداخلية بالسبل الديمقراطية واشاعة حق الاقتراع على من يتولى تلك الأماكن القيادية لديها لكي تقنع الناس بانها تخلت عن الحزبية الشمولية .
فمن حق المواطن في المرحلة الجديدة التي تشهد بدايات نشأة الديمقراطية الا يتعرض للضغط ذات الطابع الديني خاصة ان مجتمعنا العربي هو مجتمع متدين ، او يميل الى التدين بالفطرة وبالتالي استخدام سلطة الدين للتأثير عليه لمصلحة قوة سياسية دون غيرها هو استمرار لمسارات سلبية تكرس الواناً من الضغوط على افراد هذا المجتمع ، بعضها طائفي وبعضها قبلي او عشائري ، حيث نرى بعض القوى السياسية تستخدم سلاح الطائفة لفرض مشهد او قوة سياسية بعينها والبعض يستخدم سلطة الترغيب الديني او الانتماء القبلي وكل هذه الألوان والاشكال من السلطات العاطفية تتناقض مع المبدأين الأساسيين اللذين لا تستقيم بهما او من دونهما الديمقراطية وهما الحرية والمساواة .
ان ما يشهده المجتمعان العراقي والمصري اليوم من حراك سياسي ( مقت شعبي للأول وغضب عارم للثاني ) على الفساد والتسلط ، يقدم فرصة جيدة للقوى السياسية القديمة او الجديدة كي تبتكر ابداعاتها الخلاقة في الفكر السياسي من جهة وفي ابتكار وسائل الإدارة الحزبية والسياسية وإدارة الدولة من اجل النهوض بهاتين الدولتين ومضاعفة سبل التنمية البشرية والإنتاجية بهما من جهة أخرى . وهو مجال بعيد كل البعد عن الأفكار الضيقة التي يحاول ان يلعب بها اهل السياسة بتحويل الاشكال ليبدو كأنه صراع في خندق الهوية والطائفية بينما ينبغي ان يكون الموضوع هو المواطنة وحق المواطن دون اللعب بنار الشعارات الدينية والطائفية والمذهبية .