المنبرالحر

رحيل الكاتبة فاطمة المرنيسي / عبدالكريم قاسم

فقدت الثقافة العربية التنويرية بتاريخ 30/11/2015 واحدة من كاتباتها الكبيرات، هي المفكرة المغربية فاطمة المرنيسي (1940 – 2015).
عرفت بالكتابة عن موضوعات جريئة تناولتها الذهنية العربية لم تكن تسلم الأقلام عند تناولها حالها حال الكاتبات الجريئات مثل نوال السعداوي وسلوى الخماش.
قرأت الكثير من مقالاتها وامتلك من كتبها عددا متواضعا منها: ما وراء الحجاب، هل انتم محصنون ضد الحريم؟ ، الحريم السياسي، الخوف من الحداثة..
حيز اشتغال المرنيسي المرأة العربية أولا والإسلامية ومحاولتها كسر المنغلق للنص الديني الموروث المتعلق بالمرأة، الذي أدى الى انعطافه نحو التطرف بسبب هذا الانغلاق والذي لم يكن أصلا في الدين الإسلامي السمح. .لكنه وقع أسير الفهم غير المنفتح للنص الديني وما نلاحظه من بروز تيارات الاخوان و القاعدة و داعش.
في كتابها الحريم السياسي المترجم الى اللغة العربية تشخص أن قضية المرأة في المجتمع العربي من أبرز المسائل المعروضة على ساحة الفكر في هذا المجتمع..وإن في علاجها من مختلف الزوايا مفتاح الحل لكثير من العقد الأخرى.
في معرض دراسة قضية المرأة في الحضارة العربية الإسلامية أن هنالك مفاهيما وأحكاما فسرها الفقهاء في القرون الوسطى ما تزال سائدة وكأنها حقائق أزلية مع أنه كان يمكن تفسيرها باتجاه تقدمي إنساني أو معالجتها بأسلوب آخر.
حاولت المرنيسي بأطروحاتها وتفسيراتها أن تثير الكثير من الجدال حول ظواهر قديمة تشكلت في عصور القهر والتسلط والتمسك بفردانية الرأي على اعتبار أن الإسلام في جوهره لم يجزه بل أجاز على العكس منه، الاستماع بكل حرية للرأي المخالف، وكان الرسول الكريم محمد (ص) في هذا، القدوة الحسنة عندما قال للمؤمنين في زمنه بما يجب أن يعتبر قدوة في عصرنا ومعلما من معالم الطريق حينما قال: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم).
القرآن الكريم يغري الجميع بالمناقشة والإتيان بالدليل على صحة الظواهر فيتظاهر جدلا بأنه لا يقطع بأنه حق وان الآخر على باطل فيقول: (وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) آية 24 من سورة سبأ.
المناقشات موجودة في المجتمع الإسلامي وعبر تاريخ طويل لأن الإسلام الصحيح يقرره الإسلام الصحيح نفسه، هو ما كان منبعثا عن يقين واقتناع لا عن تقليد وإتباع، أحيانا إيمان المقلد غير صحيح؛ في هذا قال الله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) آية 170 من سورة البقرة.
لقد تطرقت المرنيسي الى جوانب كثيرة في حياة المسلم وخوفه منها، من أبرز تلك القضايا الخوف من الديمقراطية. المسلمون عموما، العرب بشكل خاص، لا يعانون من خوفهم من الديمقراطية بمقدار خوفهم من خسارة ثقافية هي عدم الوصول الى أهم مكتسبات القرون الأخيرة. بخاصة التسامح كمبدأ وممارسة، أي الإنسانية العلمية التي سمحت بتألق المجتمع المدني في بلدها المغرب.
فالأفكار الإنسانية، حرية الفكر، السيادة الفردية، حق المبادرة، التسامح..الخ قد انتشرت في الغرب، بواسطة مدارس الدولة العلمانية، بينما لم تعلن الدولة الإسلامية نفسها أبدا أنها دولة علمانية، باستثناء بعض الحالات مثل تركيا ولم تعمل على تثقيف المبادرة الفردية وتنميتها.. بل على العكس من ذلك فإن هذه الأخيرة لم يتعامل معها الاصلاحيون.
كان القوميون في الواقع سجناء تاريخ يعوق الحداثة في خيار تعارضي حتمي:
1ـ إما التفكير بالحداثة مع المطالبة بالتراث الفلسفي الإنساني للغرب الاستعماري، وهذا يعني المخاطرة بفقدان الوحدة. لأن من يقول بالتقليد العقلاني أي الرأي والعقل يقول بإمكانية الاختلاف، وهكذا فإن فتح الطريق للاختلاف في وجه الاستعمار سيؤدي الى إضعاف الأمة الإسلامية.
2ـ أو بالمقابل المحافظة على معنى الوحدة تجاه المستعمر وذلك بالتجذر في الماضي. لكن في هذه الحالة لابد من التمسك بتقليد الطاعة، وإبعاد التقليد العقلاني. ولاسيما الانغلاق في وجه كل ما يمكن أن يؤدي الى إحياء هذا التقليد.
ومع الأسف كان الحل الثاني هو الذي اختاره السياسيون، وبلا عمد تقريبا. ونظرا لأن جوهر التراثيين العقلانيين، الإسلامي والغربي هو حرية التفكير والاختلاف، فقد تمت التضحية به وذلك للحفاظ على الوحدة.