المنبرالحر

هل تنتحر...أن كنت عراقيا ؟! / ئاشتي

"1"
يستمد حزنك كل طاقته من صخور وطنك وترابه وأبواب وشبابيك بيوته، مثلما يستمدها من نظرات عيون الأطفال النازحين عن ديارهم وارتجاف أيادي الشيوخ وهي تستند على العكازات، ومن البرد المتخثر بين أضلاع المرضعات من النساء وجفاف اللبن في صدورهن بسبب الجوع، كما تستمد حزنك من طاقة الخداع والكذب والسرقات والاحتيال التي يمارسها الحكام بكل أصنافهم، واتهام بعضهم لبعض وتحميل بعضهم بعضا وزر ما يمر به العراق، وأنت تعرف انهم جميعا يشتركون بما آل إليه وضع العراق، سيما وتعجيل التدهور بدأ يأخذ مداه الأقصى حيث يقف العراق على حافة الأزمة الاقتصادية، وبات من الصعب تدارك الأمر بسهولة، وأكثر ما يستنزف طاقات البلاد هذه الحرب الملعونة ضد الإرهاب، والتي هي العصا السحرية في أنقاذ سمعة الحكام من النزول للحضيض أكثر.
"2"
الانتحار هو العملية الميتافيزيقية للإنسان المدرك مثلما يقول البير كامو، لهذا هو حالة استثنائية في أطار الوعي المتكامل للشخص الذي يحاول الانتحار، وحالة الانتحار مثلما يحددها علماء النفس على أنها الفعل الذي يتسبب الشخص عمدا في موت نفسه، ويُرتكب الانتحار غالبا بسبب اليأس، وقد تأثرت وتباينت وجهات النظر حول الانتحار بالموضوعات الوجودية العامة مثل الدين والشرف ومعنى الحياة، ومعنى الحياة هو الذي يحرض العراقيين على الانتحار.
"3"
ومعنى الحياة بدأ يجف لدى العراقيين، أو في الحقيقة بدأت الحياة كلها تجف في عراقنا، وأضحت الحياة ضيفا على العراقيين وليس العكس، فكل شيء تحول في ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها عراقنا تدعو لأكثر من الانتحار،!! وهذه ليست دعوة لليأس بقدر ما هي دعوة للبحث عن حلول لما يعانيه شعبنا العراقي من مشاكل وأزمات، سيما وطيلة هذه السنوات التي تلت سقوط النظام البائد لم تؤشر إلى منفذ حقيقي للتخلص من هذا المأزق الذي أُدخل فيه شعبنا ووطننا.
"4"
والمأزق متعدد الجوانب يبدأ بالمحاصصة في الحكم، الطائفية، الفساد المالي والإداري، السرقات المتنوعة في مجالاتها، شراء الذمم، تزوير الانتخابات، القتل على الهوية، انعدام الهوية الوطنية، التدخل الإقليمي في وطننا والتحكم بمقدراته، حالة التردي في الأخلاقية الاجتماعية، داعش وإمكانيات امتداده، نزوح العراقيين في المدن العراقية، الاستجداء في جميع مدن العراق، والانكى من كل ذلك هو حكامنا بجميع هيئاتهم.
"5"
لقد انتحر الشاعر خليل حاوي احتجاجا على ما يجري في الوضع العربي، فهل يا ترى أن ينتحر العراقي لما يجري في وطنه؟
(فاتني طبع المجاهد،
لم أعد غير شاهد،
فلأمت غير شهد،
مفسحا عضة الإفصاح،
في قطع الوريد)