المنبرالحر

الوطنية الديمقراطية مشروعا بديلا عن سلطة المساومة الطائفية */ لطفي حاتم

بداية أعبر عن شكري لـ"لعف" الخارج على اتاحتها الفرصة لي بالمشاركة وتقديم موضوعات فكرية قد تستثير حوارا فكريا متعدد المستويات . وبهذا المنحى ولغرض الابتعاد عن التكرار أقدم بعض العناوين والموضوعات الفكرية محاولا حصرها في ثلاثة مداخل أساسية ــ
المدخل الاول ــ سمات الدول الوطنية ودور المجتمع الأهلي فيها .
المدخل الثاني ـ الركائز الفكرية في نهوج الحزب الشيوعي العراقي السياسية.
المدخل الثالث ـ النظام السياسي للجمهورية الثالثة وسمات وتشكيلته الاجتماعية.
أولا ــ سمات الدول الوطنية ودور المجتمع الأهلي فيها
قبل الشروع في تحديد سمات الدول الوطنية لابد من تدقيق بعض المفاهيم الأساسية منها مفهوم الدولة الوطنية واعني به الدولة التي نشأت في المرحلة الثانية من التوسع الرأسمالي المتسمة بالنزعة الكولونيالية والتي استكملت سيادتها الوطنية ـ الدولة ـ في مرحلة حركة التحرر الوطني. ومنها التفريق بين مفهومي المجتمع الاهلي الذي يتشكل من القبيلة والطائفة والعرق وما ينتجه من عادات وأعراف وأدوات ضبط اجتماعي وبين المجتمع المدني المتشكل من الاحزاب ، المنظمات المهنية ،النقابات والجمعيات والتي تعمل في حدود الدولة الوطنية.
استنادا الى تحديد بعض المفاهيم الضرورية نتعرف على سمات الدول الوطنية ودور المجتمع الأهلي فيها .
ــ عملت الدول الكولونيالية وكما هو معروف بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية على انشاء دول وطنية جديدة تميز بناؤها بحزمة من السمات نتعرض لها بتكثيف بالغ : ـ
السمة الاولى ـــ الوضع القانوني للدول الوطنية الناشئة ينطلق من كونها دول ناقصة السيادة استنادا الى ازدواجية سلطتها السياسية المرتكزة على حماية الدول الكولونيالية لقوى السلطة السياسية ( الوطنية ) من جهة ومشاركة الحليف الخارجي في رسم سياسة البلاد الداخلية والخارجية من جهة ثانية.
السمة الثانية ـــ استنادا الى ازدواجية الهيمنة السياسية بين الحليف ( الوطني ) والوافد الخارجي لم تستطع النظم السياسية الجديدة تمثيل مصالح بلادها الوطنية.
السمة الثالثة ـــ سيادة المجتمع الأهلي في التشكيلات الوطنية وغياب الشرعية الوطنية للحكم ادى الى بناء سلطات سياسية استبدادية.
ان سمات النظم السياسية المشار اليها انعكست على التشكيلات الاجتماعية وأعاقت تطورها استناداً الى الوقائع الآتية ــ
الواقعة الأولى ـ عانت التشكيلات الاجتماعية وما زالت من عدم اكتمال بنائها الطبقي بسبب آليات التوسع الرأسمالي وما نتج عن ذلك من تعطل نشوء المؤسسات الاقتصادية الوطنية الداعمة لتبلور الطبقات الاجتماعية وتطور نزاعاتها الاقتصادية والسياسية .
الواقعة الثانيةـــ غياب الشرعية الوطنية لأنظمة الحكم وروحية إقصاء المعارضة الوطنية أسهم في اعتماد النظم السياسية على قاعدة اجتماعية عشائرية طائفية لغرض إدامة سيطرتها السياسية.
الواقعة الثالثة ـ أضفت الانقلابات العسكرية وتغيرات النظم السياسية الناتجة عنها الى تفكك وإعادة بناء الشرائح الطبقية الامر الذي أدام الاعتماد على البنى الاجتماعية الأهلية وأسهم في اضعاف الثقافة الوطنية الديمقراطية .
الواقعة الرابعة ـ بسبب عدم اكتمال البناء الطبقي للتشكيلات الاجتماعية لعبت آليات الضبط القبلي والطائفي أدوارا كبيرة في الحياة الاجتماعية ، وما نتج عن ذلك من نشوء نزاع تاريخي بين الفكر السياسي المعبر عن مصالح القوى الاجتماعية وبين اعراف وتقاليد المجتمع الاهلي.
لغرض اكساب موضوعة النزاع التاريخي بين الفكر السياسي المعبر عن مصالح القوى الاجتماعية وبين اعراف وتقاليد المجتمع الاهلي ملموسية تاريخية نعمد الى معاينة المدخل الثاني الموسوم بالمدخل الثاني ـ الركائز الفكرية في نهوج الحزب الشيوعي العراقي السياسية.
ثانيا ــ الركائز الفكرية في نهوج الحزب الشيوعي العراقي السياسية.
تأسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 بعد نشوء الدولة العراقية عام 1921 بأكثر من عشر سنوات ، ومن هنا نلاحظ الى ان التقارب الزمني بين النشأتين أثر بشكل كبير على مضامين الفكر السياسي للحزب التي اشترطتها سمات الدولة العراقية الفتية المتمثلة بــ
السمة الاولى ــ اختلاف الرأي العراقي على تسمية شخصية وطنية عراقية لقيادة الدولة الناهضة ادى الى غياب المرجعية الوطنية.
السمة الثانية ــ اتسمت الدولة العراقية الناهضة بازدواجية السلطة السياسية متجسدة بقوى الاحتلال الخارجي والقوى العراقية الساندة للوافد الاجنبي.
السمة الثالثة ـــ تنوع البناء القومي / الديني لتشكيلة العراق الاجتماعية انتج غياباً لشراكة وطنية ضامنة لوحدة البلاد السياسية.
السمة الرابعة ــ سيادة المجتمع الأهلي في تشكيلة العراق الاجتماعية لعب دورا مقررا في الحياة السياسية والاجتماعية.
السمة الخامسة ــ شكلت الدولة العراقية الفتية وبعدها ظهور الحزب الشيوعي العراقي اختراقا لبنية المجتمع الأهلي حيث لعب الفكر السياسي اليساري دورا كبيرا في حشد الكتل السكانية لصالح شعارات الوطنية الديمقراطية. بهذا السياق نشير الى ان نشوء التكوينات الطبقية في العراق ارتبط بقرارات الدولة الكولونيالية ومصالحها الاستراتيجية حيث اتسمت التشكيلات الطبقية الناشئة بمواصفات كثيرة منها : ــ
أولا ــ انقسام الشريحة التجارية العراقية بسبب ولاءاتها الطائفية حيث اسهم الكثير من تجار السنة في بناء ازدواجية السلطة انطلاقا من عدائهم للدولة العثمانية بينما رفض التجار الشيعة الاحتلال البريطاني بسبب ولائهم للرابطة الاسلامية وعدائهم للوافد الأجنبي.
ثانيا ـــ ساعدت ازدواجية السلطة على نشوء طبقة إقطاعية جديدة حاولت توظيف العادات والتقاليد العشائرية بهدف السيطرة الاجتماعية على الفلاحين.
ثالثاً ــ ترابطت فعالية الطبقة العاملة الاقتصادية السياسية وتطور المشاريع الخدمية والاستخراجية التي أنشأتها الدولة الكولونيالية.
رابعاً ــ أفضى اتساع مؤسسات الدولة البيروقراطية والتعليمة الى تنامي الدور السياسي للطبقة الوسطى في حياة العراق السياسية.
استنادا الى تلك السمات التاريخية نشير الى ان نشوء الحزب الشيوعي العراقي جاء استجابة وطنية اشترطتها تشكيلة العراق الاجتماعية وبهذا المعنى يمكن اعتبار الحزب الشيوعي مشروعا وطنيا ديمقراطيا لبناء دولة وطنية بديلة عن الدولة العراقية التي اغتربت عن مصالح مكوناتها الاجتماعية.
ـ بهدف تعليل الرؤية الفكرية المشار اليها لابد من إكسابها واقعية ملموسة من خلال استعراض ركائز الفكر السياسي الناظم لحركة الحزب السياسية والتي أراها في ـ
الركيزة الأولى ـــ اعتماد الخط السياسي للحزب على ضرورة بناء دولة وطنية ديمقراطية مستقلة ضامنة لمصالح القوى الطبقية الناهضة في تشكيلة العراق الاجتماعية .
الركيزة الثانية ـــ استندت النهوج السياسية للحزب على مبدأ الشراكة الوطنية حيث عبر الحزب عن مصالح تنوع تشكيلة العراق الاجتماعية.
الركيزة الثالثة ــ اعتمدت نهوج الحزب السياسية مبادئ المساواة وروح المواطنة التي لم تجد صدى حقيقيا لها في الدولة العراقية الناشئة .
الركيزة الرابعة ــ بسبب حاضنته الاشتراكية اعتمدت نهوج الحزب السياسية على مبدأ العدالة الاجتماعية . وبهذا السياق أشير الى ان الحاضنة الأيديولوجية للحزب لم تمنعه من ممارسة سياسة وطنية ديمقراطية اتخذت أشكالا متلائمة مع طموحات تشكيلة العراق الاجتماعية .
ثالثاــ النظام السياسي للجمهورية الثالثة وسمات وتشكيلته الاجتماعية
ــ أحيا الاحتلال الامريكي سياسية الاحتلال البريطاني للعراق المعتمدة على رعاية وتطوير المجتمع الاهلي وبهذا المسار تبنى الأمريكان بناء نظام سياسي يستند إلى موازنة مصالح الكتل الاجتماعية الطائفية / العشائرية / العرقية بدلا عن موازنة مصالح الطبقات الاجتماعية ورعاية المجتمع المدني. ( 1 )
ان النظام السياسي المرتكز على مكونات المجتمع الأهلي جرى تكريسه عبر نصوص دستورية نحددها عبر دالات مكثفة
الدالة الأولى ــ رغم اعتبار القانون الأساس للدولة العراقية دستورا ديمقراطيا إلا انه أمد المجتمع الأهلي بحصانة دستورية من خلال تأكيد المادة 43 على ( حرص الدولة على الاهتمام بالقبائل والعشائر العراقية ( 2 ).
الدالة الثانية ـــ ترافقت الرعاية الدستورية لأعراف وتقاليد العشيرة مع هيمنة الإسلام السياسي على سلطة البلاد السياسية الامر الذي أعطى دفعة اجتماعية لنهوض الطائفية السياسية وتنامي دورها في الحياة الاجتماعية.
الدالة الثالثة ــ البناء السياسي للدولة العراقية المرتكز على رعاية المجتمع الأهلي أرسى عرفا دستوريا تمثل باقتسام السلطة السياسية بين الطوائف والأعراق الامر الذي أنتج كثرة من التأثيرات السياسية يمكن تحديدها بالوقائع الآتية : ـ
الواقعة الأولى ـ اعتماد مؤسسات المجتمع الأهلي على آليات الضبط العشائري ـ الطائفي ـ ترافق وتطور بنيتها العسكرية والتنظيمية.
الواقعة الثانية ــ شكلت البنى التنظيمية لمجالس العشائر العراقية قاعدة اجتماعية لأحزاب الإسلام السياسي الطائفي. حيث شكلت آليات الضبط الطائفي والأعراف العشائرية قوانين موازية لتشريعات الدولة العراقية .
الواقعة الرابعة ـ السمات الطبقية لقيادات المجتمع الأهلي تحددت لا على الوجاهة الاجتماعية وإنما على المكانة الاقتصادية خاصة بعد تحول الطواقم القيادية الى شرائح طبقية جديدة تتميز بسمات طائفية قبلية.
استنادا الى بنية المداخل التحليلية ونتائجها الفكرية والسياسية يمكننا صياغة الاستنتاجات الآتية ـ
أولا ــ أفضى احتكار السلطة السياسية وسيادة المجتمع الأهلي في العراق الى تنامي الروح الحربية في منظومة البلاد السياسية.
ثانياً ـ لعدم تمكن الدولة العراقية من تمثيل مكوناتها الطبقية تحولت مؤسسات المجتمع الأهلي وآليات ضبطها الاجتماعي ـ العشائري ، الطائفي ــ الى بنى ثقافية وأيديولوجية مغلقة.
ثالثاً ـ تميزت الجمهورية الثالثة بسيادة مؤسسات المجتمع الأهلي على المجتمع السياسي ومنظومته السياسية.
رابعاً ـ أفضى اقتسام السلطة السياسية بين أحزاب الإسلام الطائفي وسيادة الفساد الاداري الى نمو شرائح طبقية شكلت مؤسسات المجتمع الأهلي حاضنة اجتماعية لتطورها اللاحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ـ مداخلة قدمت الى اللقاء الفكري السابع المنعقد في السويد بتاريخ 2 ـ 4 تشرين أول 2015
***
الهوامش
1 ـ سعى الحاكم الامريكي بريمر الى بناء منظومة الحكم في العراق على اساس الاستراتيجية الأمريكية الهادفة الى بناء التوازن بين الطوائف والأعراق الامر الذي تجسد في تشكيل مجلس الحكم .
2 ـ تنص المادة (45) في الفقرة ثانياً على ـ ( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة وبما يسهم في تطوير المجتمع وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان.