المنبرالحر

ملفات الفساد! / زهير كاظم عبود

بين فترة وأخرى يخرج علينا أحد السياسيين أو النواب ليصرح بأن لديه ملفات تدين بعض الشخصيات، او تثبت ارتكاب آخرين جرائم فساد وسرقة المال العام ، وبالرغم من أن هذا التصريح يلزمه القانون بأن يعرض ما بحوزته من ملفات ووثائق على القضاء العراقي ، باعتباره المرجع المسؤول عن التحقيق في هذه الجرائم والمخالفات ، إلا أن هذه الأصوات تختفي تدريجيا ويتم تجاوزها ونسيان تصريحها اعتمادا على الذاكرة المتعبة للعراقيين ، وفي الحقيقة أن مثل هذه التصريحات لا تعدو ان تكون تهديدا سياسيا أو ردة فعل على موقف سياسي.
الفساد ينخر جميع أجهزة الدولة العراقية ، والفساد يعني التلف والخلل والاضطراب ، ومثل هذا الوباء المستشري في العراق لم يجد له الحل الجدي ولا الخطط الكفيلة بتحجيم دوره والقضاء عليه ، فالسلطة نفسها غارقة حتى أذنيها في وحل الفساد ، كما أن الأحزاب المشاركة في العملية السياسية ، والتي قبلت أن تتحاصص طائفيا ومناطقيا وقوميا ودينيا تتشارك أيضا مع مافيات الفساد .
ظاهرة الفساد ظاهرة عامة لا يمكن تحديدها وتهدف الى تخريب الصحيح والجيد ، وعرض ملفات الفساد والاستماع إلى قصص الفساد دون رادع أو جدية للقضاء على أسسه ومنابعه ، وتوفير السبل التي تمهد للمفسدين التملص والتخلص من المسؤولية يمهد الطريق لأن يكون الفساد عرفا من أعراف المجتمع .
تمكن صدام من أن يشتري ضمائر شخصيات سياسية وإعلامية عربية وأجنبية ورؤوساء دول مقابل كوبونات النفط ، وجميع من تم تسليمه هذه الكوبونات وظفها لحسابه الشخصي ، وجميعنا نعرف إنها مسلوبة ومنتزعة من دماء وحق العراقيين من دون أن تكون هناك مطالبات أو روادع أو حتى كشف جدي لمثل تلك الصفقات المريبة والخادعة ، وبعد أن ثارت زوبعة كشف مثل هذه الكوبونات ، وتبنت صحيفة عراقية نشر تلك الوثائق لوحدها، من دون أن نتلمس جدية من الحكومة في ملاحقة ملفات كوبونات النفط .
وحين نشر موقع ويكليكس وثائق مصورة وسرية تثبت تورط بعض الشخصيات بصفقات فساد وسرقات للمال العام ، لم يكن موقفنا القانوني بحجم خطورة تلك الصفقات ، وتم التعتيم على تلك الوثائق، وتضييق الخناق عليها ومن ثم محاولة مسحها من الذاكرة .
وكما لا ننسى ما صرح به رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، حين أشار الى ملفات لديه تدين المدعو عبد الناصر الجنابي ، وهو المتهم بجرائم إرهابية، ووفر له فرصة الهرب إلى خارج العراق والتخلص من عقوبة ارتكاب الجرائم الإرهابية المتهم بها ، ولم يكشف تلك الملفات ، كما صرح أكثر من مرة بأنه يمتلك أدلة ووثائق تثبت تورط بعض السياسيين والشخصيات العامة بسرقة المال العام أو التورط بصفقات فساد مريبة ، إلا أن المذكور لم يكشف مطلقا مثل تلك الملفات ، ليدلل أما على عدم صحة تلك التصريحات، وهذا المنحى مخجل لا يليق برئيس للوزراء ، أو أنه يتعمد الإخفاء حرصا منه على المتهمين وبذلك يقع تحت طائلة قانون العقوبات في الامتناع عن التعاون الواجب مع القضاء في تقديم الوثائق والدلائل والمستندات التي تحمي المال العام وتسهل عمل القضاء تنفيذا لواجبه .
أن ملفات عديدة وصلت الى حدود التفريط بسيادة العراق ومناطق أخرى من محافظات ومناطق مهمة لم يتم التحقيق الجدي فيها ، ومضت سنة أو أكثر على قيام اللجنة التحقيقية في البرلمان بإجراءات التحقيق وتشخيص المتهمين وتقديم الملف الى القضاء العراقي ، ليبدأ من نقطة الصفر من جديد حتى يتم نسيان القضية أو يتم ترتيب أمر المتهمين ، وقد مضت شهور من دون أن يلمس المواطن العراقي جدية في محاسبة أو اتخاذ قرارات بحجم الكارثة ، ومثلها في التحقيق بواقعة سبايكر .
وكان المرحوم أحمد الجلبي بصفته رئيسا للجنة المالية البرلمانية قد أعلن قبل وفاته بأيام بأنه يمتلك ملفا عن فساد وسرقات في قضية تهريب مليارات الدولارات الى خارج البلاد عبر شركات مالية وهمية وصيارفة مستجدين استنزفوا هذه المليارات من خزينة الدولة ، ما أدى الى خواء الخزينة وتعطل مشاريع اقتصادية وخدماتية كثيرة.
وضمانا لكشف مثل هذه الملفات فقد اودع نسخة منها لدى السيد فخري كريم وأخرى لدى المرجعية الدينية في النجف ، وبعد وفاته تم الكشف عن هذه الوثائق ونشرها في جريدة "المدى" العراقية، وتم تسليم نسخة من الملف الى مجلس القضاء الأعلى الذي بادر بدوره الى تشكيل هيئة تحقيقية للمباشرة في القضايا المذكورة .
أن الوضع الاقتصادي يتفاقم ويتعقد وهناك نتائج وخيمة ينجر إليها العراق ، إذا لم يجر إصلاح الأمور بشكل سريع وجدي خلال أسابيع باتخاذ قرارات جريئة وتغيير أشخاص من مواقعهم ومعالجة الفساد واتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحق من أسهم او سهل او شارك في هدر المال العام ، وسيكون القضاء العراقي على المحك وأمام امتحان كبير في السرعة والجدية للتحقيق في القضايا ، واتخاذ القرارات الجريئة والشجاعة التي وحدها ستكون الرادع والحامي للحق والحقوق والمال العام والمصلحة العامة ، وسيسهم في إيقاف عجلة التدهور الاقتصادي ، ويتطلب الأمر شجاعة ونزاهة وأن يضع القاضي شعب العراق ومستقبله وحقوقه أمامه ، وأن لا يخشى في الحق لومة لائم ، فهل ستكون القرارات بهذا الشكل ، أم ستأخذ طريق سبايكر وقضية الموصل؟ وإن غدا لناظره قريب.