المنبرالحر

(دش) البيتنه الواوي / عريان السيد خلف

كثيرة هي المزايا والسمات والاعراف والخصال التي نتوارثها جيلاً بعد جيل، ونتعلق بها لتصبح جزءاً من تشكيل شخصياتنا واسلوبنا في الحياة. كذلك بعض الهوايات والعادات التي تنم عن الرجولة والشجاعة والفروسية ضمن ضوابط واعراف وضعها المجتمع، وتناسلت معه كالعراضات ومسابقات الخيول في الارياف وبعض الالعاب والدبكات والاغاني والاهازيج التي تقال في مناسبات عديدة كالاعراس والتشييع والمعارك والمنازعات، وعند الحصاد ورعاية الاغنام والصيد وغيره، من الظواهر اليومية في اريافنا العراقية التي انعكس بعضها على المدن عند نزوح ابناء الريف الى المدينة، فقد حملوها معهم لانها جزء من حياتهم وعيشهم هناك.
من هذه العادات والهوايات هي الصيد، فقد فتحنا اعيننا على آبائنا واخوالنا وهم يذهبون في مجاميع بعيدا عن القرى والمدن الصغيرة في مواسم الصيد ليجلبوا لنا الطيور او الغزلان ما يدخل البهجة الى القلوب وتصبح هذه الاحداث، حديث جلسات الليل في المضايف او البيوت والتجمعات لابناء القرى، وكذلك تعطي سمة الفروسية لصاحب الصيد الاوفر.
يقول عبيد آل مبارك: مرة طلب منا احد حديثي النعمة الذي اشترى بندقية صيد اردفها بكلب صيد ان يرافقنا في سفرتنا هذه، وكان له ما اراد، وعندما وصلنا الى المنطقة التي اختارها احد الاخوة لمحنا (ديك دراج) واقف على تلة قريبة فأصر هذا الصياد الجديد على ان يصطاده هو، وهكذا وجه بندقيته للطائر واطلق ولكنه اخطأه، فطار الطائر قليلاً ثم عاد الى مكانه فأطلق عليه صاحبنا طلقة ثانية وكانت كسابقتها ما جعلني اصرخ به: « يا أخي قابل احنه عازمينك ابعرس». ضحكنا وضحك معنا الصياد الفاشل وذهبنا نبحث عن صيد آخر.
يقول عبيد آل مبارك: «كنت اشرح لمن يرافقني في سفرات الصيد القواعد والاعراف التي عليهم الالتزام بها، ومنها ان لا تضرب طائراً قريباً من بيوت الفلاحين ولا تعبث بالطبيعة واصطاد ما انت ذاهب من اجله. وكن حذراً من البندقية حفاظاً على ارواح زملائك».
تذكرني هذه الاشياء بحادثة حدثت ايام وجود الشيخ بدر الرميض المعروف بكرمه وشجاعته وورعه، حينما دخل ديوانه احد الفلاحين وهو يحمل طائر (كركي) مصاباً بجناحه وهو حي، وكان الدم يخرج من جناح الطائر، ووضع الفلاح الطائر امام بدر وقال: « إمحفوظ هذا جبته ضوغه». شكره بدر ثم سأله واين صدت هذا الطائر؟ فرد عليه الفلاح بسذاجة: هنا قريباً من ديوانك وفي ارضك». فصاح بدر على جماعته وقال لهم اربطو هذا الاغبر بالمضيف. وهكذا شدوا وثاقه وهو يصرخ لماذا يا شيخ تعاقبني وانا جلبت لك صوغه؟ رد بدر: لقد اشتكى عليك الطائر وانتصرت له. قال الفلاح: الطائر اشتكى؟ قال بدر: نعم، فقد قال:
حس كركي ابتوالي الليل ينعاب
شعب روحي واحس الگلب ينعاب
يگلي عليك (يا بو حسن) ينعاب
آنه جارك وهيچ ايصير بيه
هكذا هم اهلونا حتى الطيور تحتمي بهم وارضهم لا تداس من الانجاس. فكيف ابناء الجيران يدخلون من دون اذن ولا احترام حتى للمحاذير المتوارثة وكأن العراق حديقة خلفية لهم.
وصدق كريم تعبان حينما قال:
دش البيتنه الواوي يزنوبه
چنه محتجرنه وفات هالنوبه!