المنبرالحر

برلمان المستهترين / حيدر محمد الوائلي

من غاب عن واجبه بلا سبب فقد ساء الأدب، ومن لم يعاقب سيكررها ويسيء الأدب فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
ها هي جلسات البرلمان العراقي المنتخب شاهدة على غيابات العشرات بل تجاوزوا المائة بعشرات بالرغم من أن عددهم 325 برلماني فقط، والغريب أن لا يوجد ما يوقفهم ويحاسبهم على هذا التغيب والتسيب والأستهتار، والأكثر غرابة أن يقبضوا منافعهم الخيالية وراتبهم الخيالي دون كد وعناء ومنهم من يواضب على عدم الحضور...!
لو غاب موظف حكومي عادي فيقطع راتبه وفقاً للقانون ويتم سؤاله وحسابه كما ورد في القانون ويعاقب إن تكرر ذلك بعقوبة تصل للفصل من الوظيفة على حد القانون، ولكن صناع القوانين الذين من المفترض أنهم قدوة المجتمع باحترام القانون يستهترون بكل ذلك (عينك عينك) وبكل صلافة (وانعل ابو القانون).

غيابات البرلمانيين:
ملاحظة لأمانة النقل فمصادر التقرير التالي حول إحصائيات غيابات البرلمان العراقي كالتالي: (موسوعة النهرين نت، شبكة الإعلام العراقي في الدنمارك، جريدة زهرة الصحافة، وموقع راديو نوا).

في دراسة حديثة قام بها احد الخبراء السياسيين العراقيين توضح أن أعضاء البرلمان العراقي وهو أعلى سلطة لها حق مراقبة طبيعة تنفيذ القانون قد خرقت القانون في هذا المجال، إذ لم تشر الدائرة الإعلامية في البرلمان الى أهمية مخاطبة رئيس مجلس النواب أو أحد نائبيه لتوجيه خطاب رسمي إلى النائب (أياد علاوي) في الدورة البرلمانية الجديدة للعام (2011) وهو الأكثر غيابا وتنبيهه بضرورة الالتزام بالحضور.
ملاحظة: إن الإحصائيات التالية هي لفترة سنة من سير عمل البرلمان العراقي ولمنتصف العام 2011 فقط، وللقارئ الكريم أن يتخيل لو أستمرت الأحصائية للعام الحالي (2013) الذي شهد زيادة كبيرة في التسيب والأستهتار البرلماني والأمر يزداد سوءاً وحتى قرب العام (2014) وهو عام نهاية عمل البرلمان الحالي وموعد الانتخابات الجديدة، فكم ستكون التكلفة كبيرة...!
طبعاً لما سأل الصحفي الدكتور كاظم المقدادي ببرنامجه (المنجز) في رمضان عام 2013 من على قناة البغدادية الدكتور اياد علاوي حول سبب غيابه عن البرلمان أجاب علاوي بكل استهتار: (لا توجد قوانين وتشريعات مهمة تستحق الحضور أو أصوت أو أعترض عليها حتى الان).
يعني برلمان يشرع قوانين ويصادق على اتفاقيات ويحدد ميزانية وبالرغم من ذلك لم يحرك ذلك من ضمير الدكتور علاوي لتنوير البرلمان بمقترحاته وقوانينه التي تستحق الحضور.
إن مجموع المتغيبين عن حضور جلسات البرلمان يهدرون ما يزيد عن (4,5) أربعة مليارات وخمسمائة مليون دينار (بسنة واحدة فقط سنة 2011).

الغيابات حسب الشخصيات:
تصدر النائب (أياد علاوي) رئيس القائمة العراقية قائمة التغيب في مجلس النواب حيث بلغ مجموع غيابه (55) جلسة من أصل (61) جلسة خلال الفصل التشريعي الأول، حيث بلغ عدد حضوره لقاعة مجلس النواب (6) جلسات فقط، تلاه النائب من الحزب الإسلامي (أياد السامرائي) عن جبهة التوافق العراقي، إذ وصل تغيبه إلى (46) جلسة، ثم النائب (فلاح النقيب) عن القائمة العراقية (42) جلسة.
يذكر أن كل أعضاء البرلمان لم يقدموا أي عذر لتغيبهم سوى النائب (فلاح النقيب) قدم عذر ولجلسة واحدة فقط...!
وينص النظام الداخلي للبرلمان في مادته رقم (18) على:
أولاً: ينشر الحضور والغياب في نشرة المجلس الاعتيادية وإحدى الصحف (كلاوات كلشي ماكو).
ثانياً: لهيئة الرئاسة في حالة تكرر الغياب من دون عذر مشروع خمس مرات متتالية أو عشر مرات غير متتالية خلال الدورة السنوية أن توجه تنبيهاً خطياً إلى العضو الغائب تدعوه إلى الالتزام بالحضور وفي حالة عدم امتثاله لهيئة الرئاسة يعرض الموضوع على المجلس بناءً على طلب الهيئة (كلاوت كلشي ماكو).
ثالثاً: تستقطع من مكافأة عضو مجلس النواب في حالة غيابه نسبة معينة يحددها المجلس(كلاوات بكلاوات).
في حين أن قبة البرلمان لم تشهد اتخاذ رئاسة مجلس النواب او اللجان المختصة أي اجراء قانوني صريح كالمطالبة باستبدال الأعضاء المتغيبين أو توجيه أي إجراء قانوني يحد من ذلك.

غيابات اللجان:
وفقا للإحصائيات التي تناولت هذا المحور فأن الغيابات جاءت كما يلي:
1- لجنة المرحلين والمهجرين التي يترأسها النائب (إياد علاوي) هي الأكثر غيابا.
2- وصل غياب لجنة الأعضاء والتطوير البرلماني إلى (43) جلسة.
3- وصل غياب لجنة العلاقات الخارجية إلى (37) جلسة.
4- وصل غياب لجنة الثقافة والإعلام إلى (28) جلسة.
5- وصل غياب لجنة المالية إلى (27) جلسة.
6- وصل غياب لجنة الشهداء والسجناء إلى (24) جلسة.
7- وصل غياب لجنة الصحة والبيئة إلى (23) جلسة.
8- وصل غياب لجنة الأمن والدفاع إلى (19) جلسة.
9- وصل غياب لجنة النفط والطاقة إلى (16) جلسة.
10- وصل غياب لجنة الخدمات والأعمار إلى (15) جلسة.
ثم توزعت الساعات وفقا للجان الأقل أهمية والأقل تواصلا مع المواطن. (كل ذلك بسنة واحدة فقط فأي استهتار هذا...؟!)
من خلال ربط هذه النسب يلاحظ أن اللجان ذات العلاقة بواقع المجتمع والخدمات والتي تمس مطالب المواطنين في البلاد هي الأكثر تغيباً وهذا بطبيعة الحال يناقض كل التصريحات النيابية التي تطالب بتوفير الخدمات للمواطنين.
يلاحظ أن أكثر المتغيبين من السادة أعضاء البرلمان هم أعضاء أو مسؤولي لجان مهمة في البرلمان.
يذكر إن المؤشرات المنشورة في (الراصد) للبرلمان العراقي تبين أن كل لجان البرلمان لم تقدم طلب استجواب خلال الفصل التشريعي الأول ولم يقدم من خلالها أي طلب الحضور في جلسات والسبب في ذلك هو ارتباط العضو بكتلته أكثر من ارتباطه بالبرلمان كمؤسسة ينتمي لها قانوناً عبر أصوات الجماهير.

غيابات الكيانات السياسية الفائزة بالانتخابات:
1- (القائمة العراقية) الفائزة بـ(91) مقعد لتصبح بـ(82) مقعد بعد انشقاق تسعة منها (وقتذاك) ليؤسسوا القائمة البيضاء وبالرغم من ذلك فقد بقيت القائمة العراقية متصدرة قائمة الغيابات في البرلمان العراقي المكون من (325) مقعد حيث تجاوزت غياباتها (277) غيابا بأعضائها مجتمعين.
2- قائمة (دولة القانون) الفائزة بـ(89) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (160) غيابا.
3- الائتلاف الوطني الفائزة بـ(70) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (122) غيابا.
4- جبهة التوافق العراقي الفائزة بـ(6) مقاعد وصل غياب أعضائها إلى (65)غياباً (يعني غيابهم أكثر من عددهم باحدى عشر مرة...!).
5- القائمة الكردستانية الفائزة بـ(57) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (57)غياباً.
6- ائتلاف وحدة العراق الفائزة بـ(4) مقعد وصل غياب أعضائها إلى (21)غياباً.
7- القائمة العراقية البيضاء المكونة من (9) مقاعد بعد انشقاقها من القائمة العراقية وصل غياب أعضائها إلى (10) غيابات.

إذ يلحظ وجود تغيب مفرط رغم كثرة عطل البرلمان الذي يعد أكثر مؤسسات الدولة تمتعاً بالعطل الرسمية حسب القوانين التي يعدها أعضاء هذه المؤسسة، ووفقا لهذه الأرقام فان نسبة غيابات اعضاء القائمة العراقية تصل الى 39% من مجموع جلسات البرلمان، يليها اعضاء ائتلاف دولة القانون بنسبة 22%، ثم الائتلاف الوطني 17% ثم الكردستانية 9%.
وبالتالي فأن عدد هذه الغيابات في البرلمان تكلف الشعب أموالا طائلة قدرتها الدراسة بالشكل التالي:
1- القائمة العراقية أهدرت بتغيب أعضائها (,880952) مليون دينار، وأن أياد علاوي لوحده تسبب بهدر أكثر من (189) مليون دينار.
2- أهدر أعضاء كتلة دولة القانون بتغيب أعضائها (550) مليون دينار.
3- الائتلاف الوطني أهدر بتغيب أعضائه (419) مليون دينار.
((أنتهى التقرير))

أكرر الملاحظة السابقة وهي إن الإحصائيات السابقة هي لفترة سنة واحدة (فقط) من سير عمل البرلمان العراقي ولمنتصف العام 2011، وللقارئ الكريم أن يتخيل لو أستمر ذلك للعام 2014 وهو عام نهاية عمل البرلمان الحالي وموعد الانتخابات الجديدة، فكم ستكون التكلفة كبيرة.
إذا كانت قيادات الشعب السياسية –المنتخبة- هكذا يفعلون فكيف بباقي الجهات الحكومية والمؤسساتية التي تم تعيينها من قبلهم أو بتزكيتهم أو وفقاً للمحاصصة التي ألبسوها طابعاً شبه رسمي وجرت المفاسد كلها معها على هيبة دولة العراق وراحة شعبه، هذا الشعب المظلوم في الماضي والذي لم يتحسن حاله كثيراً في الحاضر والظلام المحيط بالمستقبل الذي لا يُكترث له كثيراً وأخشى ضياع الأمل المتبقي بترحيل الشعب من خانة المظلومية والمعاناة والقهر والحرب لخانة الراحة والطمأنينة والرفاهية والسلام.

وأكرر هنا ما قلت في مقالة سابقة بعنوان (احصائية بخسائر العراق على مسؤوليه):
ألم يحن بعد ساعة التغيير ياشعب العراق بأنتخاب غير من تكررون إنتخابهم على الدوام منذ سنة 2003 ولازلتم تكررون انتخابهم حتى سنة 2013 كما حصل في إنتخابات مجالس المحافظات...!
ألم يلد العراق كفاءات ومستقلين غير هؤلاء...؟!
ما الذي جنيتموه منهم لتعيدوا إنتخابهم للمرة الثالثة على التوالي...؟!
هذا درس لي ولكم جميعاً لإعادة النظر في (أكثر) من انتخبتموهم، فراجعوا فكركم فقد سلبوكم إياه، ودعوا الميول الحزبة والدينية جانياً وفكروا بالتغيير هذه المرة لكي يتعضوا ويأتي غيرهم من يفهم لماذا الشعب صوّت لغير اولئك الذين يفوزون كل مرة ويعملوا على الأصلاح بجد.
إن كل من تنددون بهم وتتظاهرون عليهم وتشهّرون بهم وتطعنون بهم (اليوم) ومن فقدتم الثقة بهم وتصفونهم بأنهم لا يكترثون وغير مهنيون ولا يوثق بهم، هم جميعاً أشخاص قد انتخبهم الشعب في (الأمس) في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب العراقي وبنسبة مشاركة شعبية واسعة وصلت نسبتها المعلنة عن المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات (76%) في انتخابات برلمان 2005 و(62,4%) في انتخابات برلمان 2010، و(51%) في انتخابات مجالس المحافظات 2013 التي جرت مؤخراً.

انتخبتم بعضهم أما عن إستعجال أو وعود كاذبة أو توجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن كفاءة مرشحيها أو عن جهل أو كرهاً بجهة معينة فأنتخبتم من يضدها لا لكفاءة ومهنية بها ولكن لأنه يضدها وحسب، فهذا ما جلبتموه لأنفسكم بانتخابكم إياهم ففكروا بذلك وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين.
وهذا لا يعني أن لا يوجد في الحاليين مهنيين وجيدين وحريصين على وطنهم ومن أصحاب الكفاءة والنزاهة ولكنهم قلة قليلة ومقيدين ومعطلين ولا يسمع لهم صوت.
وأما من تقاعس ولم يشارك بالأنتخابات فقد ساهم وبشكل رئيسي وكبير بالأبقاء على نفس المرشحين وتخاذل في يوم لا يصح ولا يعقل فيه التخاذل.

الديمقراطية هي أنجح حل للإصلاح السياسي، ولكن بشرط أن يعي الشعب ويفهم خطورة وأهمية دوره في الانتخابات بعد إصلاح الذات والبيت والمجتمع.
أنتخبوا النزيه الكفؤ ممن تعرفوه من سكنى مناطقكم وممن تعرفوه أما شخصياً أو يعرفه من تعرفونه من أنه مرشح من ذوي السمعة المهنية والإدارية والنزاهة والأخلاق الجيدة وضعوا ثقتكم فيه، ولا تنتخبوا من تعرفوه بالدعاية وبالتلفزيون أو بالتوجه الحزبي فقط أو التعصب المذهبي أو القومي أو بالمظاهر الدينية نفاقاً وتبختراً ودعاية، أو من إنشغل بالعراك السياسي والحزبي والمهاترات على حساب الشعب ورفاهيته.