المنبرالحر

جرائم الميليشيات الطائفية لا تقل عن جرائم الإرهاب خطورة! / مصطفى محمد غريب

لم يشهد العراق منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة تشكيل ميليشيات طائفية مسلحة خارج إطار الدولة العراقية ولهذا فان هذه الظاهرة مكتسبة وغريبة عن التقاليد والقيم الأخلاقية ومعتقدات الشعب العراقي وبقى الشعب العراقي بالرغم من ظروف القهر والاضطهاد و( 35 ) من الحكم التسلطي الدكتاتوري أميناً على وحدته متمسكاً بوطنيته، لكن المعادلة بدأت تتغير بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية وبخاصة بعد أن استلمت السلطة أحزاب الإسلام السياسي وظهرت المحاصصة الطائفية كمنهج وسياسة موجهة وراحت تعمل باتجاه خلق مراكز قوة تتمرس بالطائفية والسلاح والاعتماد على قوى خارجية تمدها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي لكي تنفذ مخططاتها وتؤمن لها الطريق للتدخل في شؤون البلاد، هذه الميليشيات الطائفية تعيش وكأنها في دولة حكومتها طائفية بدون تمييز على الرغم من أن الحكومة الحالية وعلى لسان رئيس وزرائها تعلن في كل مرة تمسكها بالوطنية دون غيرها، إلا أن الذي يجري في الواقع هو تقسيم وهيمنة الميليشيات الطائفية عداك عن المافيا المنظمة التي تعمل تحت واجهات طائفية أو واجهات أخرى وهي محاطة بسور من الحماية المسؤولة وتقاسمها الغنائم، وبما أن العراق أصبح " خان جغان " وساحة للتدخل لكل من هب ودب فقضية السكوت على جرائم الميليشيات أصبح عاراً على المؤسسة الأمنية وبخاصة أن كل الجرائم تقريباً تجري في وضح النهار وأمام أكثرية الأجهزة الأمنية حيث تستعمل سيارات حكومية مظللة ذات الدفع الرباعي وبملابس البعض من الأجهزة الأمنية وكذلك الجيش دون أي خوف أو تردد، وبما أن التجاهل اخذ حيزاً من السكوت داخلياً فنحن نرى أن التجاهل الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الجرائم والمجازر التي تقوم بها الميليشيات الطائفية وقد عززت تجاهلها وثائق كشفتها ونشرتها " رويتر نيوز " في 16/12/2015 حيث أكدت على " تجاهل الولايات المتحدة لكثير من الانتهاكات التي كانت ترتكبها الميليشيات الطائفية" وهناك عمليات اعتقال وتعذيب وقتل ارتكبت بمعرفة الحكومة العراقية لا بل تحت رعايتها حيث أشارت الوثائق في عام 2005 عثر جنود أمريكيون " داخل أحد مباني الشرطة العراقية على ( 168) سجينا في حالة مروعة نتيجة لتعرضهم للتعذيب والتجويع، وكشف العثور على هذا السجن السري الستار عن عالم من الخطف والتعذيب والاغتيالات يقف وراءها في ذلك الوقت ما يسمى بدائرة التحقيقات الخاصة التي كان يرأسها قياديون في منظمة بدر وهي إحدى المنظمات المسلحة العراقية"..
وتحمل هذه الوثائق الكثير من الحوادث والتجاوزات ولم يجر أي تدخل أو تحرك من قبل الحكومة العراقية لإيقافها ، وتتهم الوثائق المنشورة من قبل رويتر نيوز هذه الميليشيات بإذكاء الانقسامات والتطاحن الطائفي والعرقي حيث أصبحت هذه الميليشيات المسلحة توازي المؤسسات الأمنية بما فيها الجيش والشرطة وغيرهما.
إن هذا التغاضي زاد من قوة وانتشار الميليشيات وحتى المافيا المنظمة وإلا كيف يمكن أن يعقل المرء أن مئات التجاوزات من اختطاف واعتقال كيفي واغتيال وتغييب أصبحت زاد المواطن البريء الذي لا يأمن على حياته من التفجيرات الإرهابية الإجرامية فتلقاه هذه الميليشيات الطائفية وعصابات المافيا لتجعل من حياته وحياة عائلته جحيماً لا يطاق.. ونستطيع أن نضرب آلاف الأمثال لهذه التجاوزات التي تنشرها وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وكما يقال أن " المخفي كان أعظم "، ولم تكتف هذه الميليشيات بما هو ظاهر بل هناك ما هو سري من تجاوزات لجمع الأتوات بحجة الحماية واتهامات بالإرهاب للخطف والفدية والمتاجرة والتلاعب ببيع العملة حتى في البنوك والمصارف الحكومية بما فيها البنك المركزي، وأشار بهذا الصدد ريبور طه عضو لجنة النزاهة البرلمانية عن وجود مافيا تتلاعب وتتاجر بالعملة حتى داخل المصارف الحكومية وقال ريبور طه في تصريح صحفي ، أن"هناك معلومات أكدت لنا بوجود مافيات في جميع المصارف الحكومية حتى في البنك المركزي تتلاعب وتتاجر في بيع العملة "الأجنبية والمحلية" في مزاد المصارف كل يوم" هذا هو واقع الحال حتى المصارف الحكومية والبنك المركزي بالذات الذي يجب أن يكون ذات حماية قانونية وأمنية كبيرة استطاعت المافيا المنتشرة في أكثرية أروقة الدولة استغلالها وجنى الإرباح بطرق غير قانونية وعمليات فساد غير قليلة، وكان المفروض ( ونؤكد على كلمة مفروض ) لأنها تحتوي على المال العام الذي يعتبر مقدساً لأنه ملك الشعب وليس لفئة أو لحزب أو مركز حزبي أو حكومي مسؤول! لكن في ظروف العراق الحالية وما آلت إليه الأوضاع بسبب المحاصصة الطائفية فقد أصبح المستحيل ممكناً وسهلاً وأصبح السهل مستحيلاً، أما في الحوادث الإجرامية فهي متنوعة وتتباين ما بين التنفيذ تحت طائلة المؤسسات الأمنية واستخدام السيارات الحكومية المضللة أو الأسلحة التي تتباين أيضاً من اصغر سلاح وكاتم صوت إلى الرشاشات والاربيجي وأسلحة ثقيلة أخرى، فقد نشرت وسائل إعلام عديدة مثلاً عن احتجاز ( 1300 ) شاب من الأنبار من قبل ميليشيات حزب الله واحتجز هؤلاء عند نزوحهم أو هروبهم من مناطق يسيطر عليها داعش وقد نشر الخبر أثناء لقاء متلفز بثته العربية مع عضو مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي، ومن أخبار الاختطافات الكثيرة نذكر على سبيل المثال تأكيد شرطة المثنى عن اختطاف (26 ) صياداً قطرياً تمكن ( 9 ) منهم الهرب إلى الكويت ونشرت الخبر المدى برس بتاريخ 17 / 12/2015 وكانت أدوات الخطف حسبما أشير عنها عن طريق سيارات حكومية مظللة لكن إبراهيم الجعفري وزير الخارجية نفى لا حقاً أي صلة للحكومة بالخطف وفي الوقت نفسه أكدت قطر أن مواطنيها "دخلوا أراضي العراق بتصريح رسمي من وزارة الداخلية العراقية" وهكذا أصبح الأمر ومصير المختطفين في كف من له الباع الطويل والتجربة الغنية في الخطف وهؤلاء بالتأكيد معروفين وليسوا بالهلاميين.
عندما نشير إلى هذه القضايا الحديثة فنحن لم نغفل آلاف منها على امتداد السنين السابقة ولكثرتها فنحن لا نستطيع مثلاً ذكرها جميعا لكننا في الوقت نفسه نستشهد بما صرح به زعيم التيار الصدري السيد مقتدي الصدر الثلاثاء 22/12/2015 بخصوص " الميليشيات الوقحة " التي تتحدى الحكومة وتسعى إلى الهيمنة والسيطرة على البلاد وقد طالب بضرورة الردع الصارم والسريع من قبل الحكومة وقال مقتدى الصدر بخصوص " الميليشيات بالزي العسكري " واقتحام الشركة المتحدة لشركة غاز بروم النفطية الروسية والاعتداء على الموظفين وسرقة السيارات والأموال العائدة للشركة ، إن "الميليشيات الوقحة تقوم بأعمال إجرامية بالسلب والمداهمة والقتل متحديّة الحكومة وذلك لغرض سيطرة الميليشيات على العراق".. والمهم أكثر مما ذكره مقتدى الصدر أن هذه الميليشيات بقت بمنأى عن الردع الحكومي لا بل البعض منها يعمل تحت غطائها ويستغل سياراتها وأسلحتها وأزياء الشرطة والجيش وغيرهما، واليوم هي تتحكم في مفاصل كثيرة من الدولة العراقية واستغل البعض منها الحشد الشعبي والخلافات مع حكومة الإقليم ليتحرك ويقوم بأعمال مناهضة للقوانين كما انه يستغل الحرب مع الإرهاب وداعش بالذات وتحت طائلة محاربة الإرهاب يقوم بإرهاب المواطنين وبخاصة في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش والتي حررت من قبل القوات الأمنية والجيش، وتعزز ما ذكرناه قول مقتدى الصدر بخصوص الحادثة المذكورة أعلاه " أنها تقوم باستغلال انشغال المجاهدين بمحاربة الإرهاب ليعيثوا فسادا في جنوب ووسط العراق وتحاول فرض السيطرة بالقوة والإرهاب والإكثار من المقرات وتهديد الأهالي والسياسيين" وقد وضح مقتدى الصدر أكثر أن "كل ذلك لا يخلو من غطاء من بعض الوزارات الأمنية أو أفرادها"
إن الميليشيات المسلحة التي تتحرك في السر وفي العلن أصبحت تشكل اخطر مما يتصوره الإنسان على سلامة المواطنين وعلى استقرار البلاد الأمني وهي تبشر بشر مستطير ستكون نتائجه الوخيمة عندما تحتل ألاماكن الأساسية في المؤسسات الأمنية الحكومية أو تسيطر عليها، وهي تتهيأ تماماً لليوم الموعد إذا ما اندلعت حرب داخلية وعلى ما نتصور ستكون الكارثة الكبرى التي ستدمر العراق ووحدته الجغرافية والوطنية ولهذا على الحكومة العراقية الحالية أن تباشر في العمل لتحجيم هذه الميليشيات وتحديد دورها بدلاً من الفلتان والتوسع واتخاذ مكانة المؤسسات الأمنية الحكومية في قضايا الأمن، وهذا الأمر كشفته السنين ما بعد السقوط وكيف تأسست هذه المليشيات الطائفية وتوسعت وتسلحت بأحدث الأسلحة بحجة الخوف من عودة الآخر للسلطة على الرغم من التحالف الحكومي المشهود مع الآخر منذ أول حكومة برئاسة إبراهيم الجعفري وحكومة نوري المالكي والحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي.. الميلشيات الطائفية المسلحة المدعوة من قبل الخارج والتي خارج إرادة الدولة العراقية لا تقل خطورة عن المنظمات الإرهابية إذا ما حانت الساعة!