المنبرالحر

إفلاس الأغنياء! / قيس قاسم العجرش

ماذا لو ارتفعت اسعار النفط الخام صباح الغد وصار سواده يساوي الذهب في القيمة؟. ما الذي سيحدث في عراقنا الذي يخرج من مطبّ ليتلقى مطبّاً آخر؟.
لن يحدث سوى تكرار للصورة السابقة التي سارت عليها الحكومة والبرلمان لعشر سنوات سقيمة.
عشر سنوات من الصرف الهستيري على القشور والصبغ والأرصفة وإعادة إصلاحها بعد تهديمها والاستهلاك غير المنضبط وإتخام دوائر الدولة بالتعيينات بلا حدود. لو كان في هذا الوصف تجنياً فإن حسابات الكلفة لما هو مُنجز فعلاً من مشاريع وتنمية سيكشف أنها كانت الأكثر بطراً وترفاً في العالم.
جمعني حديث ذات مرّة بمبعوثين أوروبيين لمراقبة انتخاباتنا عام 2010، كانوا يسألون عن بعض التفاصيل في التغطيات الصحافية للمراكز الانتخابية. اخبرني أحدهم قائلاً: هل تعلم أن ورقة الاقتراع الملوّنة الكبيرة وأدوات الإقتراع المُستخدمة في العراق هي الأكثر تكلفة من بين انتخابات العالم؟ وقتها كانت الحكومة قد خصصت 90 مليون دولار لإجراء الانتخابات. هذا الرقم أيضاً كان من بين الأعلى عالمياً في تكاليف الانتخابات مع الاعتبار لتناسبه مع عدد السكان.
إصرف ثم إصرف ثم إصرف. هذه باختصار كانت معايير العمل الحكومية وما زال الجزء الكبير منها ساري المفعول. وكان منتظراً جداً أن تحين «لحظة حقيقة» امام المسؤولين والمشرّعين والناس على حد سواء يفهمون فيها ان وجود ملايين الموظفين في مكاتبهم من الصباح الى بعد الظهر لا يعد عملاً بينما يشتغل أحدهم بما معدله بضعة دقائق في اليوم، والكلام للمستشار الصريح جداً د.مظهر صالح.
وان عشرات الآلاف من السيارات التي تنقلهم يومياً إنما هي جزء من عجلة اقتصادية تدور في الهواء فقط. وان تبليط مئات الكيلومترات من الشوارع والأرصفة بأسوأ المواصفات إنما هو عمل من لا عمل له. وان استيراد الملايين من السيارات ومن ثم استيراد الوقود الخاص لها( لنتذكر اننا بلد ذو ثروة نفطية !) انما يشبه حفلة شواء على(منقلة)تعمل بحرق النقود!. وان عشرات الآلاف من الإيفادات الترفيهية التي صرفت عليها الملايين إنما هي ديون مستقبلية قريبة السداد. وان مباني الدوائر الحكومية التي تفرّخ شُعَباً وأقساماً ومديريات يجري تفصيلها على أقارب المسؤولين وطواشيهم الى مالا نهاية إنما تستهلك المال مثل بالوعة عظمى!
إن نظامنا السياسي والإداري هو انعكاس لطبيعة الحياة الاقتصادية التي نعيشها، وبلا تغيير في إساس المشكلة، فإنها ستتكرر كلما انتعشت اسعار النفط الخام، وهنا يصبح الامر خالياً من اي معنى ..فما معنى الارتفاع ان كنّا سنكرر ذات الرزايا التبذيرية الفاسدة ؟.. وبنفس الاشخاص والمسؤولين!