المنبرالحر

حرية التعبير ومطالب التغيير / مرتضى عبد الحميد

نصت المادة (38) من الدستور العراقي الدائم، على أن الدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، بما فيها حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، لكل العراقيين دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو القومية، وقد استبشر الناس خيراً، وخاصة الإعلاميين والصحفيين، بأقراره، وبما وصلت إليه حرية التعبير فعلاً، بعد سقوط النظام الدكتاتوري، وممارساته القمعية، التي كانت تحصي أنفاس العراقيين، حتى في بيوتهم، ولهذا استعاد الكثيرون ثقتهم بأنفسهم، وامتلكوا القدرة على التعبير عن آرائهم، ووجهات نظرهم في شتى الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية، بعد أن كانوا يترددون حتى في امتداح البعث لفظياً واضطرارهم إلى مجاراة جلاوزته، خوفاً من الوقوع في خطأ التعبير، وان كان بسيطاً وغير مقصود، فالويل لصاحبه، ولعائلته، وأقربائه.
وكان المؤمل والمرتجى أن تقوم السلطات الرسمية بعد التغيير بتوسيع هذا الحيز المتاح من حرية التعبير، عبر تسهيل الوصول إلى المعلومة، وتداولها، وتوظيفها لصالح أظهار الحقيقة، التي تتعطش الجماهير للاطلاع عليها ومعرفتها، وقد ضحى من اجل ذلك العشرات من الصحفيين والإعلاميين بحيواتهم الغالية، لكي يخطو العراق خطوات جدية وملموسة في طريق البناء الديمقراطي الحقيقي، وفي القلب منه حرية التعبير، وبقية الحريات الفردية والعامة.
لاشك أن السبب الرئيس لتصفية واغتيال هذا العدد الكبير من الصحفيين وسائر العاملين في وسائل الأعلام المختلفة، أنما كان بهدف الحد من نشاطهم ومن دورهم التنويري، وتخويف الآخرين، وبالتالي الحؤول دون فتح ملفات الفساد الكثيرة والكبيرة، التي تورط فيها مسؤولون كبار، وحاشياتهم من اللصوص الصغار، الذين حولوا البلد وموارده المالية الطائلة إلى شركة مساهمة للسلب والنهب والفرهود، كل حسب رأسماله المتمثل في موقعه الوظيفي، وقوة كتلته، وخبرته المتراكمة في السرقة.
ويبدو أن الهدف الأكبر، هو تخويف الجماهير الغفيرة من ممارسة حقها في التظاهر، والتعبير عن رأيها فيما تعانيه من مصائب وكوارث تعيشها يومياً، ومطالبتها بأصلاح العملية السياسية وتوفير الخدمات، ومكافحة الفساد، بعد أن وصل غسيل الدماغ الطائفي والقومي إلى مرحلة «الاكسباير» لدى فئات اجتماعية واسعة، ولذلك راح المتنفذون والمعادون للإصلاح يصبون جام غضبهم على المتظاهرين، والمنتقدين لأداء السلطة، وشعارها العتيد في المحاصصة الطائفية- الاثنية المقيتة، وعملوا على تضمين مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي الذي قرأه مجلس النواب مرتين، فقرات تتناقض مع ماورد في الدستور العراقي وكل المواثيق الدولية، الأمر الذي سيجعل منها القائمون على تنفيذه سيفاً مسلطاً على رقاب المشاركين في الحراك الجماهيري، دع عنك الصحفيين والإعلاميين، على اختلاف صحفهم ووسائل إعلامهم، ومن هذه الفقرات اللاديمقراطية، النص على تحديد مكان التظاهرات وزمانها من السابعة صباحاً إلى العاشرة مساءً، في محاولة خبيثة لمنع الاعتصامات، أو البقاء أطول فترة ممكنة في ساحة التظاهرات، بالإضافة إلى وجوب الحصول على الأجازة، وليس الأشعار بها كما هو الحال في البلدان الديمقراطية، وعدم القيام بالتشويش على أي رمز مقدس أو انتهاك للآداب العامة، والشرطان الأخيران، حمالا أوجه، يستطيع أي شرطي، أو معاد للإصلاح، أن يفسرهما ويؤولهما حسب قناعاته، وأهوائه، وثقافته المتخلفة في اغلب الأحيان.
وحسنا فعل الإعلاميون والنشطاء والسياسيون ومنظمات المجتمع المدني، في الاعتراض على صيغة مشروع القانون ورفضها، وأن جرى إقراره وتشريعه فالتوجه إلى المحكمة الاتحادية التي يأمل الجميع ألا ترى الأمور بعين واحدة كما فعلت في مرات سابقة، وتتخذ قرارا صائبا، بأبطال وإلغاء هذه الكوابح الخطرة، وإعادة الحق إلى أهله ونصابه.