المنبرالحر

قراءة نقدية لكتاب .. أجراس الرعب من التكفير إلى التفجير / احمد عواد الخزاعي

كتاب أجراس الرعب من التكفير إلى التفجير ، للباحث الإسلامي الموريتاني سيدي محمد ولد جعفر ، احتوى هذا الكتاب على مائتين وثلاث صفحات من الحجم المتوسط .. والذي أثار ضجة كبيرة في الأوساط المحلية الموريتانية والإسلامية ، واتهام الكاتب بأنه تناول شخصيات مقدسة في التاريخ الإسلامي بالنقد والاتهام ، وتطرق لأحداث بالتحليل والتفسير مخالف لما وصل إلينا عنها ، وبذلك اعتبره الكثيرين بأنه قد تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء ، لتسليطه الضوء على هذا الجانب من تراثنا الإسلامي ، الذي يعده معظم المسلمين مقدسا لا يجب المساس به .
إلا أن من يطلع على هذا الكتاب يجد إن الكاتب بقي محافظا على خيوط اللعبة التي لم يخرج عن أطرها العامة اغلب الكتاب العرب والمسلمين الذين ينحدرون من جذور وخلفيات إسلامية تقليدية ، ويحاولون وضع أنفسهم في موضع التجديد والتقييم والنقد والتحليل للمشهد الإسلامي الحالي من خلال الغوص في بعض الجزئيات السيئة في تراثنا الإسلامي ، دون المساس بالثوابت والرموز التي يقدسها جمهور مدارسهم الفكرية ومنبعهم البيئي والثقافي الفطري الذي نشؤ فيه وعليه .
يتألف كتاب الباحث سيدي محمد ولد جعفر من أربعة فصول ، قسم فيه التاريخ الإسلامي للقرون الثلاث الأولى .. تحدث في الفصل الأول عن الإسلام المكي إلى بيعة الرضوان ، وتطرق فيه إلى إشكالية اسلام أبي طالب ، ومن اسلم أولا ، ولم يخرج برأي واستنتاج واضح وجلي لبحثه هذا ، واكتفى بان عزا هذا الخلاف الى الصراعات السياسية بين الفرق الإسلامية ، والانحياز الأعمى للفرد لطائفته وانتمائه العقائدي .. والقي اللوم على جميع الطوائف والمذاهب حول هذا الاختلاف الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم .
وهذا ضعف واضح في طريقة البحث والتحليل اللتان اعتمدهما الباحث ، كون هذه الأمور على الرغم من محدوديتها التاريخية إلا انها كانت تمثل منعطف خطير وكبير في تحديد التوجه العام للأمة الإسلامية ،وخاصة في القرن الأول الهجري ،وما آلت إليه الأحداث بعد وفاة النبي (ص) وما جرى في سقيفة بني ساعدة ، الذي كان الشاخص الأبرز الذي انطلقت منه الاتجاهات الفكرية ، التي أوصلت المسلمين إلى ما هم عليه الآن .
ثم تناول الصحابة وقسمهم إلى ثلاثة مجاميع ، أصحاب بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة في السنة السادسة للهجرة قبل صلح الحديبية ، وهؤلاء أضفى عليهم المؤلف الكثير من التقديس ولم يخض في سيرهم حتى عند تصديهم للمشهد السياسي بعد وفاة النبي محمد (ص) .
أما المجموعة الثانية من الصحابة فهم الذين اتبعوه بإحسان ، وهؤلاء اعتبرهم المؤلف بأنه لا يمكن حصرهم بفترة زمنية محددة ، مشيرا إلى أفضلية من رأى النبي بالمشاهدة العينية على الآخرين على شرط أن يكون مسلما .
وبذلك لم يخرج المؤلف عن تصنيف الشيخ البخاري المثير للجدل والذي اعتبر الصحابي فيه ( هو كل من رأى النبي حتى لو كان من بعيد ودون تمييز ).
والمجموعة الثالثة هم من ساءت سيرهم ، ومنهم معاوية بن أبي سفيان ، حيث تناول المؤلف بعض الأحاديث في سيرته وفضائله ، التي أوردتها كتب الحديث ، وحاول تحليلها وتفنيد البعض منها ، وهذا ما اثار حفيضة الاخرين عليه ، واثاروا ضجة كبيرة حول هذا الكتاب .
ويختم الباحث كتابه بالبحث عن جذور ونشاة الفكر التكفيري الإسلامي عند الجماعات المتطرفة في مصر وشمال افريقيا ، وتأثرهم بجزء كبير من هذا التراث السيئ لبعض الصحابة والتابعين ، واختلاط مفاهيم الجهاد عند هذه الجماعات بين ما أراده النبي (ص) والصحابة الأوائل من بعده ، ويقصد الخلفاء الراشدين الأربعة ، جاعلا الفتوحات الإسلامية الأولى في عصر الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل جزء من الجهاد المشروع ، الذي دعا إليه الإسلام .. وأشار إلى أن هناك نوعان من الجهاد هما (جهاد القران وهذا ما قام به النبي (ص) والخلفاء الثلاثة من بعده ، والنوع الآخر هو جهاد السلطان والاستبداد في العهدين الأموي والعباسي ).. والذي يعزوا سبب هذا النوع من الجهاد إلى حب الدنيا والطمع بالغنائم والنساء ، وان عمليات القتل المجاني حسب تعبيره والظلم والاستبداد، وقتل المخالفين في الرأي والعقيدة قد بدء مع ظهور الدولة الأموية ، واستمر مع الدولة العباسية .
وقد تناسى الكتاب سيد محمد ولد جعفر في طرحه هذا ، أن هناك بون شاسع بين ما قام به النبي محمد (ص) من غزوات داخل حدود شبه الجزيرة العربية وبين ما جرى من توسع عسكري باسم الدين من بعده تجاوز حدود الجزيرة العربية ، إضافة إلى غياب النصوص المقدسة الصريحة التي تدعوا المسلمين لنشر الإسلام خارج حدودها بالقوة والسيف .. حيث كل الآيات الكريمة التي وردت في القران الكريم في هذا الجانب كانت تنص على جهاد الدفع ، وان آخر ما أوصى به النبي الأكرم محمد (ص) ، وهو على فراش الموت (أجيزوا الوفد واخرجوا المشركين من جزيرة العرب والثالثة قال انس ابن مالك لقد نسيتها ) .
إضافة إلى انه لم يذكر الكثير من حوادث القتل المجاني كما وصفها هو ، بأنها قد بدأت في صدر الرسالة وفي حروب الردة ، ولم تبدأ في العصر الأموي ، وما فعله خالد ابن الوليد في مالك ابن نويرة خير دليل ، وقتله له والزنا بزوجته كونه امتنع عن إعطاء الزكاة وهو على ملة الإسلام ، كما جاء في (البداية والنهاية لابن كثير الجزء السادس) .. (فأرسل أبي بكر (رض) خالداً في جيش ليستفهم الأمر وكان معه عبد الله بن عمر وأبي قتادة .. فأسر مالكاً هو وقومه بعد أن خرج مالك وقومه لاستقبالهم بلا سلاح ، فقتلهم وأمر برأس مالك بن نويرة فجعل بين حجرين وطبخ على النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ولم تنضج رأس مالك لكثرة الشعر فيها).. وفي رواية (المسعودي في مروج الذهب) .. طبخت الرؤوس فنضجت إلا رأس مالك لأنها كثيرة الشعر.. ثم زنى بامرأة مالك كما ذكر (ابن حجر العسقلاني في الإصابة الجزء الخامس) .. (إن خالدا رأى امرأة مالك وكانت فائقة الجمال فقال مالك بعد لامرأته قتلتيني ) ، ويعني سأقتل بسببك .. وذكر (الطبري في تاريخ الأمم والملوك الجزء الثالث) .. دخل خالد إلى مسجد رسول الله(ص) وعليه قباء وقد غرز السهام في عمامته، فأتاه عمر بن الخطاب (رض) .. (فكسر السهام وقال قتلت أمريء مسلم ثم نزوت على امرأته والله لارجمنك بأحجارك( .
هذا دليل واضح على إن الفكر التكفيري المتطرف الذي يشهده عالمنا الإسلامي المعاصر لم يستمد وحشيته وهمجيته من العصر الأموي فحسب ، كما ذكر المؤلف بل إن له جذور أقدم من ذلك تمتد إلى صدر الرسالة الإسلامية .
وفي جانب آخر من الكتاب ،يعزو المؤلف إلى أن سبب نمو واستفحال الفكر الإسلامي التكفيري المتطرف في الوطن العربي الآن ،إلى غياب المشروع القومي العربي الوحدوي الذي شكل فراغا فكريا للكثير من أبناء الأمة العربية ، أدى إلى استقطابهم من قبل دعاة التطرف والتكفير .
وهذا أيضا ضعف في تشخيص المشكلة من قبل المؤلف ، لان أصل نشوء التطرف هو .. أولا ما وصل إلينا من تراث إسلامي سيئ خضع للتحريف والتزوير على أيدي السلاطين والأمراء ، وتقديسه للكثير من الصحابة الذين أعدهم المتطرفون قدوة لهم وسلفا صالحا وهم بالأصل قتلة وسراق .. وثانيا النظم الدكتاتورية المستبدة التي حكمت اغلب بلدان الوطن العربي في النصف الثاني من القرن الماضي ، والذي يعد الفكر القومي من أسوئها وأكثرها انحطاطا ، كونه لبس لباس القومية بالطائفية كما حدث هنا في العراق أبان حكم القوميين والبعثيين له.. والسبب الثالث في نشأة التطرف والتكفير هو شعور الكثير من الشباب المسلم بالإحباط نتيجة انتشار البطالة ،وعدم القدرة على الزواج ،والتهميش والإقصاء الذين يعانوه في بلدانهم ، وغياب التعليم والمبادرة الفردية ، والتي هي من مهام الحكومات التي تقوم بالتشجيع عليها ودعمها ، والمناهج الدراسية المحرضة على العنف والتطرف وعدم تقبل الآخر رفضه .
كل هذه الأسباب وغيرها ساعدت في نشوء التطرف الاسلامي والفكر التكفيري ، ولجوء هؤلاء الشباب للبحث عن الخلاص من بؤسهم هذا في الحياة الأخرى ، حيث الحور العين والطعام والنعيم الأبدي كما يعتقدون ، فاتخذوا من ما يسمونه الجهاد سبيل لتحقيق هذا الهدف ، عن طريق تفجير أجسادهم في الأسواق والطرقات ومدارس الأطفال لاعتقادهم بكفر الآخر، وإنها الوسيلة الأسهل والأسرع لوصولهم إلى الجنة ، إضافة إلى قيامهم بالأعمال الوحشية من ذبح وصلب وتمثيل بالجثث ، كنوع من التطهير الروحي حسب ما يعتقدون .. هذه هي الأسباب الحقيقية لنشأة التطرف والتي تجاهل ذكرها مؤلف الكتاب.
لكن بالرغم من كل الهفوات التي رافقت هذا المنجز الفكري للباحث سيدي محمد ولد جعفر ، إلا انه يعد إضاءة مهمة في هذه العتمة الفكرية التي يشهدها عالمنا الإسلامي المعاصر ، وخطوة تستحق الإشادة كونها تناولت موضوعا يتحاشى الكثيرون المرور به أو التنويه عنه، من قريب أو بعيد ، وسط هذا الكم الهائل من الجهل والأفكار الظلامية ، وفتاوى التكفير المحيطة بنا .