المنبرالحر

رؤية اقتصادية لعام 2016 / ابراهيم المشهداني

جاءت الموازنة المالية لعام 2016 التي اقرها البرلمان، صادمة خصوصا للطبقتين الوسطى والفقيرة، ذلك انه بفعل تقشفية هذه الموازنة فان الطبقة الفقيرة التي تدور حول خط الفقر ستنحدر الى ما دون هذا الخط، اما الطبقة الوسطى فستنتقل الى مستوى الطبقة الفقيرة بسبب انخفاض رواتبها وتحملها الجزء الكبير من الاعباء التقشفية، اما الطبقة الكومبرادورية فسيكون ضررها اقل بسبب ترحيل تكاليفها على اسعار البيع ولم تفلت منها سوى الطبقة الطفيلية لانها تعمل في المخفي والمستتر.
واهم المؤشرات التي يمكن الاستناد اليها في قياس حجم الفقر في العراق والتغيرات السريعة في هذه النسب وانعكاس الازمة الاقتصادية الراهنة على الحياة العامة، والتي لا يمكن تبريريها بانخفاض اسعار النفط الى ما يقرب من 70 في المئة فقط، وإنما بسوء التخطيط والادارة الاقتصادية، هو ما اشارت اليها تقارير منظمة الاغذية والزراعة الدولية وأخرها التقرير الذي قدمته المنظمة في القاهرة في الثاني من ايار 2015 من ان معدل انتشار نقص الاغذية في العراق الذي كان 8 في المئة في الاعوام 1990 و 1992وارتفع الى 23 في المئة للفترة الممتدة ما بين 2014 و 2016 وما يدور حول هذه النسب من شكوك حيث تشير بعض الدراسات الى ان نسبة الفقر الناتج ليس فقط عن نقص التغذية وانما الى انخفاض المداخيل بالإضافة الى البطالة التي شملت اكثر من 25 في المئة لا سيما الشباب، ازدادت الى اكثر من 30 في المئة اذا اخذنا في الاعتبار حجم النزوح لسكان المناطق المحتلة من العراق من قبل الدواعش الذي زاد عن ثلاثة ملايين شخص وربما سيزداد هذا الرقم اذا بدأ الهجوم على مدينة الموصل الكثيفة بالسكان.
ومن جهة ثانية ليس من المعقول التصفيق للتوجهات الاقتصادية التي سارت عليها الحكومات المتتابعة للعراق منذ عام 2003 القائمة على نظرية اقتصاد السوق التي نصح بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فأصبحت عقيدة متلازمة مع افكار حكومات المحاصصة التي تعاملت مع العراق وكأنه بلد اشتراكي وليس بلدا ناميا، ليطبقوا عليه اقتصاد الصدمة فلا استطاعت اقامة مثل هذا الاقتصاد ولا كانت مهتمة في تطوير القطاع الحكومي او القطاع الخاص فكلاهما يعانيان امراضاً مزمنة وعدم وتحولهما الى قطاعات سلعية منتجة تستطيع مجاراة المستورد من المنتجات الاجنبية التي تغلب عليها الرداءة.
وبفعل التخبط في السياسة الاقتصادية لم يكن لقانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 اية فائدة في تنمية القطاعات الاقتصادية والذي كان الهدف منه توظيف موارد مالية كان العراق بأمس الحاجة اليها في حينه لأسباب تشريعية فالقانون بنصوصه وتعليماته لم يكن جاذبا للاستثمارات الاجنبية , ولأسباب موضوعية تتعلق بعمليات الارهاب والتدخلات الاجنبية التي لم توفر البيئة الامنية التي تساعد على اقامة المشاريع الاستثمارية في قطاعات السياحة والعقارات والزراعة.
وكان يمكن للقطاع النقدي ان يلعب دورا مهما في العملية التنموية من خلال نشاطه الاستثماري في القطاعات السلعية المنتجة الا انه بدلا من ذلك انصرف الى عمليات المضاربة المالية ولجوء بعض المصارف الى عمليات غسيل الاموال لصالح العناصر البيروقراطية الفاسدة في الدولة ساعدتها على ذلك سوق البورصة في البنك المركزي الذي لم يأخذ في الاعتبار تشديد الرقابة عليها في تعاملاتها المصرفية وإدخال التكنولوجيا المتطورة في هذه العملية ما ساعد عن قصد او غير قصد، من خلال تزوير الاعتمادات، على تهريب مليارات الدولارات وانخفاض احتياطات العملات الاجنبية.
ان ما ذكرناه يمثل التحديات الحقيقية للاقتصاد العراقي وهذه التحديات تتطلب من الحكومة رسم خارطة جديدة للسياسة الاقتصادية تستهدف بعملية متناسقة معالجة هذه التحديات وإبعاد القطاعات الاقتصادية وخاصة القطاع الحكومي بوجهيه الانتاجي والخدمي عن عمليات الفساد التي تنخر في هذه القطاعات والاستفادة من الكفاءات الاقتصادية في رسم هذه السياسات ومتابعة التنفيذ والابتعاد عن الموازنة العراقية بوصفها الآلية الوحيدة لتنظيم وإدارة الاقتصاد العراقي وجعلها ميزانية برامج وليست ميزانية بنود.