المنبرالحر

لماذا الاصلاح الاقتصادي في العراق ؟ / كاظم فرج العقابي

المقدمة :-
مفهوم الخصخصة :- هناك تعاريف عديدة ظهرت في الاونة الاخيرة لمفهوم الخصخصة روج لها بعض الباحثين والاقتصاديين انطلاقا من رؤياتهم الخاصة لهذه الموضوعة منها :- انها تعبير عن عملية تحويل بعض الوحدات الانتاجية على المستوى الوطني من نطاق القطاع العام الى نطاق القطاع الخاص ، وفي تعريف آخر: هي عملية تحويل الملكية العامة الى القطاع الخاص، ادارة ، او ايجارا، او مشاركة ، او بيعا وشراء لما يتبع الدولة او تنهض به او تهيمن عليه من قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة او في مجال الخدمات العامة ، او نقل الملكية والادارة التشغيلية للمؤسسات المملوكة للدولة الى القطاع الخاص اما جزئيا او كليا، ويكون القطاع الخاص اما مؤسسات او رجال اعمال او شركات اجنبية ، او تحويل ملكية المنشآت العامة الى اطراف اخرى تقوم بادارتها وفقاً لمبادئ قطاع الاعمال الخاص . ويشير تعريف آخر للخصخصة: بانها تتمثل في زيادة كفاءة ادارة وتشغيل المشروعات العامة من خلال الاعتماد على آليات السوق للتخلص من الترتيبات البيروقراطية ، ولذا نستنتج ان الخصخصة تتمثل في زيادة الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في ملكية وتشغيل وادارة الوحدات الانتاجية في المجتمع، لكن اكثر المصطلحات شيوعا لمفهوم الخصخصة هو نقل الملكية لمشروع في القطاع العام الى القاطع الخاص.
وتعد المؤسسات العامة العمود الفقري لمعظم اقتصاديات الدول النامية ، وغالبا ما تواجه هذه المؤسسات معوقات مختلفة، الامر الذي يتطلب اصلاحها الاقتصادي الشامل، وقد استخدمت اساليب مختلفة لاصلاح مؤسسات القطاع العام ومن بينها واكثرها استخداما هو اسلوب الخصخصة.
وتعد الخصخصة من الموضوعات المهمة في الاقتصاد عموما، الا ان دورها برز بعد انهيار التجربة الاشتراكية ، فالخصخصة هي فكرة قديمة، اذ يرى بعض الاقتصاديين ان نشأة الخصخصة في الفكر الاقتصادي الليبرالي ( المدرسة الكلاسيكية ) جاءت على يد ادم سمث في كتابه ( ثروة الامم) الذي نشر في عام 1776 بالاعتماد على قوى السوق والمبادرات الفردية من اجل زيادة التخصيص وتقسيم العمل، وبالتالي تحقيق الكفاءة الاقتصادية سواء على المستوى الجزئي او الكلي.
وفي العصر الحديث ظهرت فكرة الخصخصة وتحت هذا المسمى في 1979، حيث دعت اليها السيدة مار جريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا ( المملكة المتحدة) وتم تحويل الكثير من المشاريع التي تمتلكها الدولة الى ملكية القطاع الخاص وتبعتها فرنسا ، ايطاليا ، اسبانيا ، وكندا وغيرها وقد اعتمدت سياسة الخصخصة في بلدان عديدة بعد انهيار تجربة الاتحاد السوفيتي والنجاحات التي حققتها الرأسمالية على المستوى الاقتصادي، فقد بدأت الدول الاشتراكية السابقة في تبني برامج الخصخصة مثل روسيا وجمهوريتي التشيك والسلوفاك وبولندا والمجر وغيرها وانتقلت موجة الخصخصة الى الدول النامية مثل الارجنتين والبرازيل وشيلي وبنغلادش وباكستان وتركيا ونيجر وغيرها من الدول الاخرى.
اما في العراق فقد قام النظام السابق عام 1988 بتطبيق سياسة الخصخصة، وقام ببيع جزء من منشآته ومؤسساته الاقتصادية والتجارية الى اللصوص من البيروقراطيين والطفيليين، الا ان تلك الاجراءات لم تؤد الى زيادة طاقة اقتصاد البلد.
وبعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 وخضوع العراق إلى شروط نادي باريس وصندوق النقد الدولي فرضت على العراق بعض الاجراءات من اجل دعم الاقتصاد العراقي.
ما اسباب ومبررات الخصخصة:-
يلخص مجموعة من الباحثين هذه المبررات بما يلي:
- ظاهرة عجز الموازنة العامة للدولة.
- انخفاض معدل العائد على الاستثمار وانخفاض معدل النمو.
- انخفاض الانتاجية وتدنيها عن المستويات المقبولة.
- ارتفاع تكلفة الخدمات العامة ويعود ذلك الى تضخم الاجهزة الحكومية وانعدام منافسة أنشطتها لقوى السوق والمعايير الانتاجية.
- عجز الادارة عن الابتكار والتجديد وذلك لغياب الاسس الموضوعية لاختيار القادة وضعف نظم تحفيزهم واعدادهم وتنمية قدراتهم.
- شيوع ظاهرتي البطالة والبطالة المقنعة في الكثير من مؤسسات القطاع العام.
- اتساع نطاق القطاع العام ليشمل قطاعات وانشطة واسعة كان من الاجدر تركها للقطاع الخاص الذي يتصف بـ
1- المبادرة وحرية الحركة والمواكبة.
2- الابداع والخلق.
3- الكفاءة الاقتصادية والفنية.
4- الحوافز المادية.
5- توظيف جميع الامكانات والقيام بعملية المساءلة والمحاسبة.
6- تشجيع المنافسة وتوسيع قاعدة الاستثمارات الفردية والجماعية.
الاقتصاد العراقي وضرورة إصلاحه
اصبحت قضية الاصلاح الاقتصادي في بلادنا حاجة فعلية للاسباب التالية
1- التشوهات العديدة التي تعرض اليها الاقتصاد العراقي والتي نجمت عن اسباب وعوامل داخلية وخارجية مثل الحروب والمقاطعة الدولية والسياسات الاقتصادية المتبدلة باستمرار وقد زادت سياسة الاحتلال من حدة ازمة الاقتصاد العراقي.
2- البنية الاحادية الريعية للاقتصاد العراقي باعتماده على العوائد النفطية.
3- تخلف التشريعات والآليات المنظمة للنشاط الاقتصادي .
4- الركود الاقتصادي في قطاعاته كافة ( الزراعة ، الصناعة ، السياحة .. الخ ) وتفشي ظاهرة البطالة .
5- الوضع الامني المتدهور وتداعيات ذلك على الوضع الاقتصادي والاستثمار الاجنبي
6- المديونية الخارجية بسبب حروب الطاغية وسياسة الاحتلال التي شوهت معالم الديمقراطية في البلاد وعدم الارتقاء بالوضع الاقتصادي والامني وتشجيعها على بناء مؤسسات الدولة على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، ودعم حكومات غير مؤهلة عبر انتخابات مزيفة لادارة البلاد ما خلفت الازمات المتتالية واخرها الهجرة الواسعة للشباب الى الدول الاوربية بسبب غياب الامن والاستقرار وعدم توفر فرص العمل وسياسة التهميش.
7- انتشار الفساد المالي والاداري.
8- السياسة الاستهلاكية الطاغية على موازنات الدولة وضعف تخصيصات الاستثمار
9- عدم توفر بيئة سياسية امنية تشريعية للاستثمار الاجنبي.
10- غياب العدالة الاجتماعية.
وتتطلب الازمة الشاملة للاقتصاد العراقي التي خلفتها الفترة الماضية ضرورة الشروع في اصلاحات اقتصادية تستند الى إستراتيجية تنموية تهدف الى احداث تغيير في البنية الاحادية في الاقتصاد العراقي، وتقليص اعتماده على عوائد النفط، وتحديثه وتحقيق توزيع اكثر عدلا للدخل والثروة والعناية بالفئات الاجتماعية الاكثر تضررا ومراجعة التشريعات والاليات المنظمة للنشاط الاقتصادي في جوانبه السياسية والحقوقية والادارية والاقتصادية والمالية واعادة الاعمار والاستعانة برؤوس الاموال الاجنبية وتوفير شروط مناسبة لاجتذابها كما تسهم في تطوير القاعدة الاقتصادية الانتاجية وتحديث الاقتصاد الوطني.
الا ان المشكلة تكمن في مضمون هذا الاصلاح فما يجري الآن هو الترويج الى اعتماد السوق محورا للنشاط الاقتصادي وآلية لممارسته.
ويؤكد صقور الخصخصة ان هذه العملية يجب ان تنطلق من :-
1- تضييق دور الدولة الاقتصادي.
2- اعطاء القطاع الخاص الاولوية في السياسة الاقتصادية.
3- اجتذاب الاستثمارات الاجنبية.
4- وفي الوقت نفسه تتعرض الارادة الوطنية الى الضغط الابتزازي من جانب المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول الدائنة المنظمة الى نادي باريس مقابل تخفيض ديون العراق بنسبة 80 في المئة لتطبيق اصلاح اقتصادي واسع يفرض على الحكومة العراقية خصخصة المنشآت المملوكة للدولة والعمل على الغاء القطاع الحكومي بجميع اشكاله وازالة القيود الضريبية والكمركية على تبادل السلع والخدمات ويقترن هذا الضغط على الارادة الوطنية في سياق هجوم ايدلويوجي يتمثل في اصرار المؤسسات الدولية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ) والقوى المسيطرة في البلدان الرأسمالية على تقديم الديمقراطية باعتبارها صنوا لاقتصاد السوق وحصيلة للتحررالاقتصادي الليبرالي والتأكيد ان الديمقراطية سبب ونتيجة للنمو الاقتصادي وفق المشروع الذي تطرحه هذه المؤسسات.
ويقتصر النقاش في هذه القضايا التي تخص المجتمع باسره على حلقات ضيقة من الخبراء والاستشاريين في ظل غياب واضح لآراء وتصورات الفاعلين الاجتماعيين الاخرين في محاولة لفصم الترابط الجدلي بين التنمية والديمقراطية.
ماذا جنت البلدان التي طبقت وصفة صندوق النقد الدولي ؟
واجهت هذه البلدان ازمات اقتصادية عميقة يتجلى اهم مظاهرها في معدلات بطالة مرتفعة وافقار شامل وتهميش احتيالي واستقطاب حاد ، وهل حقا ان تطبيق الخصخصة (والاصلاحات الاقتصادية الكبرى) المطروحة ضمن وصفة صندوق النقد الدولي وشروطه المعروفة ستؤمن تطورا حقيقيا على عكس التجارب السابقة في مختلف بقاع العالم؟ وقد بين حزبنا الشيوعي العراقي : في ظروف الازمة الاقتصادية البنيوية والفوضى الامنية والاستقطاب السياسي الراهن في بلادنا لا يمكن الرهان على الخصخصة لحل ازماته الاقتصادية والاجتماعية بل سيؤدي الى استقطاب اجتماعي اقتصادي اعمق ونشوء مافيات اقتصادية توظف حجمها الاقتصادي لضمان مواقع في البنية السياسية كما سيترتب على ذلك تهميش القطاع الصناعي والهبوط بقدرة الصناعات المحلية على منافسة السلع القادمة من الخارج اضافة الى تدهور القطاع الزراعي بفعل تقليص الدعم الحكومي ورفع الحماية عنه ما يؤدي الى عجز المشروع الزراعي من منافسة المنتجات الاجنبية المستوردة التي بدأت تغزو الاسواق المحلية وتعمق في اختلال الميزان التجاري من خلال مقص التجارة الخارجية.
وقد حذر حزبنا من الانسياق وراء وصفات صندوق النقد الدولي، لكنه يدعو الى الانفتاح على الخارج والاستفادة من الجوانب الايجابية لعولمة الحياة الاقتصادية وفق شروط مناسبة، فالحزب لا يؤيد تبني القطاع العام دون قيد او شرط. ويدعو الى تحليل العوامل والاسباب الفعلية التي ادت الى ما تعانيه هذه المؤسسات اليوم والمسألة لا تكمن اليوم في خصخصة او عدم خصخصة هذا القطاع بل في بلورة منهجية واضحة تنتج التغلب على آليات النهب التي تعرض ويتعرض اليها هذا القطاع واجراء تقييم موضوعي شامل لمؤسساته قبل الاقدام على اي اجراء لتغيير الملكية ولهذا يمكن بناء القطاع العام على معايير الكفاءة الاقتصادية والوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة في الحقل الاقتصادي مع ضرورة تدعيم الرقابة المجتمعية على هذا القطاع واعتماد مبدا الشفافية في تسييره وتنشيط دور الفاعلين الاجتماعيين المختلفين بما يعيد الاعتبار الى الترابط الجدلي بين التنمية والديمقراطية.
وقد بينت الحياة وتجارب التاريخ عدم صواب الرؤية التي تعتبر القطاع العام شرا مطلقا والخاص خيرا مطلقا والعكس صحيح ويعني ذلك ان البديل يكمن في استراتيجية تنموية متكاملة توظف كل القطاعات ( العام والخاص والمختلط والتعاوني ).
فالخصخصة يجب ان تاخذ طريقها الى التنفيذ بشيء من الشفافية على ان تدر افضل عائد على الدولة وان توفر السلع والخدمات على المواطنين باسعار ونوعية افضل.
ان مصلحة الاقتصاد الوطني والعاملين في مؤسسات الدولة تقتضي بان تقوم الدولة بتقديم الاعانة من اجل اعادة تأهيل هذه المؤسسات وتمكنها من استئناف عملها بعد ان توكل ادارتها الى عناصر كفوءة ونزيهة ومخلصة ثم امهالها فترة زمنية معقولة لتثبت جدارتها الاقتصادية وبعدها تدرس احوالها وتتخذ القرار المناسب بشأن بقائها جزءا من القطاع العام او خصخصتها جزئيا او كليا او الاكتفاء بخصخصة ادارتها مع الاحتفاظ بملكيتها العامة ، وعلى ان تدرس حالة كل مؤسسة على انفراد مع الاخذ بنظر الاعتبار تعدد اشكال الملكية وإمكان الفصل بين الملكية والادارة.
ان النهوض بالاقتصاد الوطني هو اقامة علاقات تكاملية بين القطاعين العام والخاص واعتماد المنافسة في بعض المجالات وتطوير مختلف اشكال الملكية العامة والخاصة ، المختلطة والتعاونية وبما يستجيب إلى حاجات الاقتصاد الوطني وتطوره المتوازن. وقد بينت تجارب النصف الاول من القرن العشرين فشل مشروع التنمية المستند الى تنظيم الحياة الاقتصادية من قبل الدولة حصرا ، كذلك المشروع الذي يعتمد على قوى السوق كليا.
الخلاصة
تؤكد الدروس المستخلصة من هذه التجارب ان آلية السوق وحدها لا تؤدي الى التخصيص والاستخدام الامثل للموارد، بل ان منطق تعظيم الارباح يقود الى نمو اقتصادي غير متكافئ اجتماعيا واقليميا وقطاعيا ، فالسوق لا ترسي ذاتها بنفسها بل تستدعي تدخل الدولة لوضع القواعد والمؤسسات المنظمة لها ، لذا فالحاجة تتطلب في هذه المرحلة وضع قوانين لمنع الاحتكار وحماية المستهلك وضمان حقوق العاملين، ان الخصخصة من جانب، والقطاع العام من جانب اخر لا يمثلان خيارات اقتصادية صرف بل يعبران ايضا عن خيارات سياسية كبرى وخطرة في ان واحد تتعلق في جوهرها بمحتوى الدولة العراقية الجديدة وشكلها والوجهة التي تتخذها بالاستناد الى الارادة العراقية الوطنية والديمقراطية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
• وثائق المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
• في ضوء المؤتمر الوطني الثامن / مجموعة مقالات عن الخصخصة –د.صالح ياسر.
• تجارب الخصخصة وآثارها في رفع الكفاءة الاقتصادية – عبد السلام مسعود.
• الخصخصة وآثارها على النمو الاقتصادي – دراسات – وكالة انباء براثا.
• الخصخصة المفهومة الاهداف والمبررات الاقتصادية – د. محمد عبد الكريم.
• الاهمية التاريخية للجمع بين الاشتراكية واقتصاد السوق / ترجمة عزيز سباهي