المنبرالحر

مَن يُعيد إعمار الرمادي؟ / قاسم السنجري

إن استعادة المدن من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» عن طريق المعارك العسكرية يحقق نصراً ميدانياً وغَلَبة للقوات العسكرية، غير أن هذا التحرير يبدو غير تام لما خلفته المعارك من خراب ودمار، شمل السكان المحليين للمدن المحررة قبل أن يطول المباني والبيوت.
إن ما لاقاه سكان المدن التي خضعت لسيطرة التنظيم الإرهابي من معاناة، لا يمكن اختزاله في تصورات من يعيش بعيداً عن خوض التجربة، فالمعايشة ليست كالمشاهدة حتماً، حيث أن نزوح آلاف العائلات ووضعهم في حياة جديدة، قاسية بالطبع، لم يعتادوا عليها أمر تسبب في نفاد مدخراتهم المالية فضلا عن الخسائر النفسية الجسيمة التي لحقت بهم.
كذلك فإن حال من فضّل البقاء في المدن التي احتلها داعش، لم يكن بأفضل ممن غادروها. فمن بقي هناك تعرض إلى ضغوط التنظيم الارهابي وأحكامه اللا إنسانية المرتبطة بفكره الشاذ، وعانى من حالة الارتياب والشك التي يعيشها التنظيم بكل تصرف، مما عرّض المئات منهم إلى الموت بتهم التخابر مع الحكومة العراقية وغيرها.
إن بهجة التحرير ونشوة الانتصار تعد جرعة تفاؤل محدودة التأثير، فسرعان ما سيكتشف السكان العائدون إلى مدنهم المحررة هول الخراب الذي لحق بها وببناها التحتية. وكما يبدو فإن الحكومة التي تعجز عن مواجهة وضع اقتصادي صعب، لا تجد في جعبتها خططا لكيفية اعادة اعمار هذه المدن التي لو اكتفى اهلها بتحريرهم من سطوة اعتى واقسى الانظمة الارهابية، فسيقضون سنوات طويلة في مدن خربة تفتقر إلى مقومات الحياة الطبيعية، ما قد يتسبب بموجات نزوح أخرى إلى مدن تتوافر على ما يسهل عليهم الحياة.
ما يدفع للقلق، أن جميع البرامج الاغاثية سواء كانت من مساعدات دولية أو محلية تعرضت لعمليات فساد كبير من قبل اللجان الحكومية التي كلفت بالإشراف عليها، وليس بعيداً عنّا ما تعرضت له المنح الدولية للنازحين من ضياع في حسابات مصرفية، يقف وراءها متنفذون عجزت الحكومة عن محاسبتهم، كما عجزت السلطة التشريعية عن استجواب متهمين بالاستيلاء على هذه المنح المخصصة.
لذا، فأن أي مشروع لأعمار المدن المحررة، يخضع لإدارة اللجان الحكومية نفسها التي يتم تدوير اعضائها عن طريق المحاصصة الحزبية، سيسجل مزيداً من عمليات الفساد وضياع الأموال من دون انجاز عمل حقيقي، كما أننا خبرنا جميع مبادرات الحكومة هي مبادرات ارتجالية تخلو من التخطيط والتنمية وتنتج في النهاية مشاريع رديئة ذات قيمة محدودة.
إن إعمار المدن المحررة ليس حاجة تنطلق من ترف المنتصر وبذخه، بل أنها جزء أساس من عملية إعادة بناء النفوس التي لحق بها الظلم وتعرضت للإهمال من جانب الدولة، وكذلك تعرضت للاستبداد من قبل تنظيم متشدد يفرض احكامه بقوة السلاح والحكم بالموت.