المنبرالحر

لماذا انتشر النكاف؟ / د. سلام يوسف

علينا ان لا نندهش من حدوث أية ظاهرة غريبة أو انتشار أمراض أو شيوع خرافات في بلد العجائب والغرائب.
وليس غريبا أن ينتشر مرض النكاف ليصيب هذه الأعداد المهولة من الأطفال وليتمدد المرض حتى يشمل الكبار أيضاً؟ كل الحواضن لانتشاره اللافت متوفرة!
النكاف من الأمراض الانتقالية، وبائي النزعة، ومضاعفاته قليلة لكنها خطرة، وكان شائعاً جداً حتى سبعينيات القرن الماضي حيث بدأ ينحسر بشكل واضح جداً حينما تم اكتشاف اللقاح عام 1970. ولقاح النكاف يقع ضمن لقاحين آخرين هما لقاح الحصبة ولقاح الحصبة الألمانية ويعطى على جرعتين، في عمر 15 شهرا وفي عمر المدرسة، ويطلق عليه لقاح MMR.
فإذا ما توفرت كل الأسباب التي تساعد وتسهّل انتقال المرض، فانه سيصيب الآلاف بل الملايين، وأهم العوامل المضادة هو فاعلية اللقاح ،أولاً وتغطية السكان به، ثانياً، إضافة الى المناعة الجيدة التي يجب أن يتمتع بها الأطفال خصوصاً والكبار أيضاً.
وهناك الاستفهامات الكبيرة التي تبرز: هل اللقاحات التي تصل الى مراكز الرعاية الصحية الأولية (وهي الجهة المخولة بمنح اللقاحات للناس)، فعّالة؟ فلأجل المحافظة على فعالية أي لقاح، يجب المحافظة عليه بدرجات حرارة منخفضة من لحظة انتاجه وتعبئته حتى وصوله إلى الطفل، عبر ملايين الكيلومترات من بلد المنشأ ولحين وصوله الى العراق. حيث أننا نستورد اللقاح من مناشئ رصينة معروفة، يهمها أن يصل منتجها الينا وهو بكامل فاعليته، خصوصاً والموضوع برمته مرتبط بالسمعة الدولية للمنتج إضافة الى مليارات الدولارات أقيام تلك اللقاحات.
والاستفهام الآخر: هل أن كل ملايين أطفال العراق الذين تبلغ أعمارهم السنة أو السنة وثلاثة أشهر ومن ثم بلغوا عمر التسجيل في المدارس، قد تلقوا اللقاح؟ فأستطيع أن أجزم أن ذلك لم يحصل والأسباب واضحة، فالتهجير والنزوح في مقدمة الأسباب التي تجعلنا نعتقد بل نؤمن أن أعداداً غير قليلة من المهجرين والنازحين قد فات عليهم اللقاح.
إن عدم تلقيح اي عدد من الأطفال يعني من الناحية العملية وجود ثغرة حقيقية في البرنامج التلقيحي والسياسة التطعيمية للبلد، مما يفسح المجال بل هي فرصة مناسبة جداً لانتشار المرض الذي من المفترض أن يواجه مناعة جيدة في أبدان الأطفال. هذه المناعة مشكوك فيها خصوصاً وأن الغالبية من السكان هم فقراء ويعيشون في أجواء بيئية متردية جداً تسهم وبكل الأشكال في تحطيم الجدار المناعي لديهم.
عن أية مناعة نتحدث وأعداد غير المسجلين في المدارس في تزايد مستمر إضافة الى المتسربين منها؟ عن أية مناعة نتحدث وعدد طلاب الصف الواحد جاوز طاقته الاستيعابية، لا بل ويفترشون الأرض! والبترول مخزون في الأرض؟ عن أية مناعة نتحدث وعندنا أطفال تؤويهم بيوت من الصفيح وسط أكداس النفايات والمياه الأسنة وفقدان التوعية والإرشاد الصحيين؟ عن أية مناعة نتحدث وهم يعانون سوء التغذية وفقر الدم و الأمراض المعوية والتنفسية والجلدية؟ عن أية مناعة نتحدث وهم غاطسون في الخرافات والجهل اللذين يبيعهما الدجالون والمشعوذون؟
إن الشفافية مطلوبة من قبل الجهات الصحية المعنية، فهي واجب ينتظر منها تجاه الشعب، ويجب أن تعمل بجدية على مصارحته بما يحصل من خلال الرصد الوبائي، الذي هو الآخر يُفترض به أن يكون دقيقاً وفق المقاسات العالمية.
السؤال الذي أوجهه الى الجهات الصحية المعنية وأنا طبيب : هل الرصد الوبائي والإحصائيات المثبتة في السجلات والاستمارات المخصصة لها، دقيقة وواقعية وحقيقية؟