المنبرالحر

سورا للوطن وليس للحاكم! / طه رشيد

مرت يوم الاربعاء الماضي الذكرى 95 لتأسيس الجيش العراقي الذي سجل ملاحم لا تنسى في تأريخه الوطني، منها اشتراكه في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 ، وقيادته للتحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي المميز في تأريخ الشعب العراقي من خلال ثورة 14 تموز الخالدة عام 1958، حتى أضحى قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم رمزا وطنيا اعترف بنزاهته وحبه للشعب وللوطن. أما المأثرة الثالثة فكانت الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1973 ومساهمته بالدفاع عن العاصمة السورية دمشق.
ولكن الجيش كأي مؤسسة أخرى يمكن أن يتلاعب بها الحاكم اذا لم تترسخ فيها المبادىء الوطنية، كما هو الحال في الجيش الجزائري والجيش التونسي والجيش المصري التي بقيت مخلصة للوطن لا للحاكم.
ما أن استلم حزب البعث السلطة في تموز 1968 حتى حاول ان يلوي عنق المؤسسة العسكرية ويفرغها من محتواها الوطني عبر أسلوبين مختلفين، وهما الترهيب والترغيب. وابتدأ بعملية تصفيات جسدية وعزل لأهم الضباط والقياديين في الجيش. ويشهد قصر النهاية على عذابات مجموعة كبيرة من اولئك الضباط. كذلك اعتمد المراتبية الحزبية في السياقات العسكرية حتى غدا نائب عريف أو رئيس عرفاء يتحكم بفوج أو بلواء بأكمله، بضمنه ضباطه الصغار والكبار. وتفشى الفساد واصبحت الرشاوي ديدن من يحاول التهرب من الواجبات. ومقابل ذلك أسس النظام جيوشا خاصة به ولحمايته تحديدا مثل حرس القصر الجمهوري والحرس الخاص. كما استعاض عن الجيش بمجاميع «الجيش الشعبي» الذي جعله اشبه بمليشيا في خدمة النظام فقط. وهو ما يفسر الانهيار الكبير للجيش الرسمي بعد سقوط النظام في ربيع 2003، بعد أن زجه بمعارك خاسرة سواء مع الجارة إيران أو غزوه المشين للكويت أو هجومه الكاسح والغادر على مئات القرى الكردية الآمنة.
أصبح الجندي العراقي في فتراته العصيبة شحاذا في « الكراجات « من أجل تأمين أجرة السيارة للالتحاق بوحدته. . تغذية سيئة، وجوه مصفرة، وملابس بالية! فكيف نريد منه أن يدافع عن وطن تنتهك كرامته؟
وبقي حال الجيش المتعثر حتى بعد مرور عقد على سقوط النظام السابق، وتوج تعثره بفضيحة سقوط الموصل أثر انسحاب قطعات عسكرية كاملة منها، تاركة عدتها وآلياتها لقمة سائغة للعدو الداعشي.
ولكن ما جرى من إعادة تأهيل للجيش ودوره الأساس في تحرير الرمادي، في الأيام الاخيرة، أعاد بعضا من ماء لوجهه الذي لطخته الطائفية المقيتة بعد حزبوية النظام الساقط.
ومن اجل ان نصل الى بناء جيش وطني يشكل سورا للوطن وليس للحاكم، لا بد من ابعاده عن الطائفية والمحسوبية والفساد الاداري والمالي، والضرب بيد من حديد على كل من يسيء اليه سواء من داخله أو من خارجه! ولا بد من العودة الى الخدمة العسكرية الالزامية، التي تضمن انخراط الاجيال الجديدة من ابناء الشعب والمناطق العراقية كافة في صفوفه، والارتفاع بمستواه عبر فتح باب التطوع حسب الاختصاصات التي يحتاجها أي جيش حريص على بلاده، وليس جيش « اكعيبرية» لا يفرق بين «التكمجي» كعائلة بغدادية عريقة و» التكنولوجي « كاختصاص!