المنبرالحر

ماذا لو أدليت بصوتي لصالح روحاني....* الكاتب الإيراني حسين باقرزاده / تعريب عادل حبه

إنني لو أدليت بصوتي لصالح حسن روحاني، فما هو الشعور الذي ينتابني اليوم وأنا أدقق في تشكيلة مجلس وزرائه؟. لقد قدم الرئيس روحاني إلى مجلس الشورى الإسلامي الإيراني تشكيلة مجلس الوزراء من أجل الحصول على موافقته. وكان من ضمن قائمة المرشحين لمجلس الوزراء شخص أسمه مصطفى پور محمدي الذي أرتكب أفظع الجرائم المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان. ففي العقد الأول من عمر الثورة الإيرانية، شغل هذا الرجل منصباً في وزارة المخابرات الإيرانية، واتهم آنذاك بارتكاب جرائم قتل طالت الآلاف من المواطنين الإيرانيين. وتشير الوثائق إلى أنه كان مشاركاً في قتل 1172 مواطن في مدن إيرانية مختلفة في محافظات خوزستان وخراسان وهرمزگان. وكان هذا الشخص عضواً في لجنة ثلاثية في عام 1988 تسمى "لجنة الموت" في طهران والتي قامت بتنفيذ أحكام الموت بآلاف السجناء السياسيين الإيرانيين وبدون محاكمات. ويحتل مصطفى بور محمدي صدر قائمة المتهمين الذين ارتكبوا جرائم كبرى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لقد استعان السيد روحاني خلال حملته الانتخابية بالكثير من المقولات الإنسانية والأخلاقية والعزة وكرامة الإنسان. كما أشاد بالاعتدال والحكمة، وتحدث عن الحرية والعدل. كما أشار إلى أن حكومته تتسم بالشفافية والاستماع إلى رأي الشارع الإيراني، وإن من أولوياتها هو الدفاع عن حقوق الشعب وحمايته. وتصدرت في تصريحات روحاني موضوعة الحرية السياسية وحرية الصحافة ووضع حد لتدخل الحكومة في شؤون الفن والأدب، إضافة إلى العديد من الموضوعات. إن أحاديث روحاني ووعوده حول تحسين الحالة الاقتصادية للشعب وإزالة المقاطعة الاقتصادية الدولية أدت إلى مشاركة الناخب الإيراني في الانتخابات وإعطاء صوته إلى السيد روحاني. وساهم خوف الناخب الإيراني من أن يجلس على كرسي الرئاسة شخص مثل المتشدد سعيد جليلي مما سيؤدي إلى تعميق الأزمة التي تعاني منها إيران حالياً أو أن يدفع بإيران إلى حرب. وهكذا أعطى المواطن الإيراني رأيه ليس حباً بحسن روحاني بل " بغضاً لمعاوية".
وبعد إعلان فوز روحاني في الانتخابات، عاد وأكد مرة أخرى على القيم المشار إليها أعلاه وفي مناسبات مختلفة، وأضاف أن رئيس الجمهورية هو "خادم" كل الشعب، ومن ضمنهم أولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم له أو لم يشاركوا في الانتخابات. وهكذا وعد روحاني بأن يؤمن حقوق كل أفراد الشعب ويستجيب لمطاليبهم. خلاصة القول، فإن روحاني أثار لدى الشعب الكثير من التوقعات، وأمل الكثيرون بروحاني " المعتدل والحكيم" مقابل حملة الشعارات المغامرة والاستفزازية في حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وراح الناس في انتظار أن يحقق روحاني الوعود التي أبلغ بها الشعب بفصاحة وبلاغة.
إن أول خطوة أقدم عليها روحاني بعد مراسيم القسم هو تقديم تشكيلة مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى الإسلامي. وكان جميع الأعضاء المرشحين لمجلس الوزراء من الوجوه المعروفة التي شغلت مناصب مهمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن ما أثار حيرة المراقبين، وفي المقدمة منهم المؤسسات والنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان في الداخل والخارج ومنظمات المجتمع المدني الإيراني، هو اختيار مصطفى پور محمدي ليشغل منصب وزير العدل. لقد نزل الخبر على رؤوس الجميع كالصاعقة، لأن هذا الشخص كان وراء قتل الآلاف من السجناء السياسيين، ووجهت ضده اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية العالمية والمجتمع المدني الإيراني. لقد جرى ترشيح هذا الشخص لمنصب وزير العدل من قبل رئيس جمهورية أكد على حفظ عزة وكرامة الإنسان. ولم يكتف روحاني بذلك، بل راح يدافع عنه بكل قوة.
وقد كرر روحاني ثناءه واعتماده على كل وزرائه ودافع عنهم. وبالغ في الثناء على محمدي قائلاً: "بأنه غني عن التعريف، فقد شغل لسنوات منصب وزير الداخلية إضافة إلى توليه مسؤوليات مختلفة ومن ضمنها رئيس جهاز الرقابة. وأشار روحاني إلى أن محمدي من فضلاء الحوزة في قم وحصل على دروس ترقى إلى درجة الاجتهاد، وأنه نجح في كل منصب شغله خلال الفترة المنصرمة. إن السيد روحاني يشير إلى تولي محمدي لسنوات منصب وزير الداخلية، ولكنه لم ير من الواجب الإشارة إلى فترات توليه لمناصب في السلطة القضائية وفي جهاز المخابرات حيث "حالفه التوفيق" في قتل الآلاف من المواطنين الإيرانيين.
بالطبع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هناك الكثير ممن تلطخت أياديهم بدماء الإيرانيين وقاموا بتعذيبهم وهم في حل من المساءلة والملاحقة، وبقوا في مواقع السلطة أو فقدوها لأسباب متنوعة. وفي الحقيقة إن أحد الدلائل هي أن أولئك الذين استفادوا يوماً ما من النظام ثم جرى ابعادهم (وهذا يشمل الكثير من أنصار حركة الاصلاح واتباع الفكر الديني الحديث) ليسوا على استعداد في الحديث عن جرائم النظام ودور شخص آية الله الخميني في العقد الأول من الثورة وإدانة هذه الجرائم صراحة لأنه كانوا مساهمين بهذا الشكل أو ذاك في هذه الجرائم والانتهاكات، ولا يمكنهم الحديث دون أن يشعروا بالذنب أزاء ما حدث. فكيف يجري قتل عدة آلاف من السجناء السياسيين في إيران وتمر فترة 25 سنة عليها دون أن يرف جفن أي من المسؤولين من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باستثناء المرحوم آية الله حسن علي منتظري، ومنهم من رفع صوته حول الإنسانية وحقوق الإنسان في أوج قدرة الإصلاحيين، ولكنهم ليسوا على استعداد في الحديث عن هذه الفاجعة الكبيرة أو الجواب على نداء آلاف الأمهات والأباء والزوجات والأبناء من أسر الضحايا خلال 25 سنة الماضية؟.

في الواقع إن التزام الصمت حول القتل الجماعي للسجناء السياسيين في عام 1988 هو أكبر عامل في بروز واستمرار ثقافة "جرائم بدون عقوبات"(impunity) في الجمهورية الإسلامية الايرانية. وإن سلطة هذه الثقافة هي التي أعطت الحق لروحاني مدعي الإنسانية والحرية والحق والعدالة وبدون أي تردد وبدون خجل أن يختار أحد مدبري هذه الجريمة ليصبح وزيراً للعدل في تركيبة وزارته، وبادر عالماً ومتعمداً بالدفاع عن هذا المجرم. بالطبع لم يكن روحاني هو الوحيد في ذلك. فقد قام روحاني باستشارة العديد من المحيطين به في تشكيل الوزارة ومن ضمنهم خاتمي. إن قيام روحاني بهذه الخطوة هو بمثابة تجاهل لجريمة عام 1988 الكبرى، وهي تدل على خصائص العديد من الإصلاحيين. فكيف يمكن تفسير حالة الصمت عند الإصلاحيين اثناء تشكيل الوزارة في الوقت الذي أعلن الكثير من نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران والخارج عن احتجاجهم على ترشيح محمدي لتسنم وزارة العدل الإيرانية وطالبوا بتغييره. ولم يصدر من الإصلاحيين أي تأييد لهذا الطلب.
إن فاجعة القتل الجماعي في عام 1988 هي ليست موضوعاً "تاريخياً" لتنطبق عليه قاعدة مرور الوقت، وإن تبقى مدرجة في صفحات الكتب التاريخية. ففي هذه الفاجعة، حسب قول جفري رابينسون الحقوقي العالمي المعروف والنائب العام للأمم المتحدة المكلف بالمحاكمات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، جرت أربعة جرائم كبرى ضد البشرية، ثلاث منها جرت في عام 1988. أما الرابعة فبدأت منذ ذلك الوقت وسارية حتى الآن. ولقد أشرت إلى ذلك في مقالة سابقة بالتفصيل مستنداً على رابينسون وأوضحت أن الحكم امتنع عن أعطاء أي توضيحات حول أسباب قتل هؤلاء السجناء وكيفية ذلك، ولم يتم إبلاغ عوائلهم عن مكان دفنهم مما يشكل تعذيباً روحياً لهم. إن هذا القتل الجماعي لفئة اجتماعية يندرج في إطار القتل الجماعي الذي أدانته القوانين الدولية. وتنطبق هذه الجريمة وأعتبر مشاركاً فيها كل من التزم الصمت من المسؤولين ورفض تزويد عوائل الضحايا بالمعلومات حولهم خلال 25 سنة الماضية أو رفض متعمداً تقديم هذه المعلومات.
لقد أشار السيد روحاني عند تقديم مرشحيه لمجلس الوزراء إلى أنه أعتمد في اختيار المرشحين على مدى كفاءتهم الإدارية. ومن وجهة نظره، فإن مصطفى پور محمدي هو مدير ذو تجربة وكان "موفقاً حيثما تسلم المسؤولية"، ويبدو أن ذلك كان كافياً لترشيحه. إن الحديث لا يجري حول مهارة محمدي الإدارية. إن المجرمين الكبار خلال كل المراحل التاريخية اكتسبوا مهارات جديدة وأصبحوا كتاب وصحفيين وحقوقيين ومدراء وبذلك أضحوا أعضاء مفيدين للمجتمع. ولكن يجب أن يواجه أي مجرم منصة العدالة كي لا يتم تكريس ثقافة الجريمة بدون عقاب، والذي أصبح عرفاً ثابتاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إن السيد روحاني بسبب مكانته ومسؤوليته في الحكم سابقاً والآن يجب أن يجيب على أسئلة عوائل الضحايا، ولكنه لم يتخذ خطوات جدية وبذلك أصبح شريك عندما رشح مصطفى پور محمدي لوزارة العدل، وبذلك أصبح من الناحية العملية عنصراً في دعم هذه الجريمة الكبرى في تاريخ إيران المعاصر ويتحمل المسؤولية المشتركة عنها.
إن نجاح روحاني في الانتخابات يعود إلى حد كبير إلى دعم القوى المعارضة للحكم، والتي كانت تأمل أن تتحقق شعاراته المفعمة بالأمل والإنسانية. وبدون شك فإن من بين هذه القوى تلك الفئات التي تعرضت للعسف والظلم من قبل الفئة الحاكمة، ومن ضمنها عدد من عوائل ضحايا القتل الجماعي الذي نفذ في عام 1988. وبدون شك، فلا يمكن أن تتصور أغلبية هذه الفئات أن يبادر روحاني إلى اختيار عنصر مثل مصطفى پور محمدي في التشكيلة الوزارية. ولربما يشعر الكثيرون من هؤلاء الآن بالذنب. وفي الواقع فقد صدق هؤلاء الشعارات التي رفعها روحاني بحسن نية، وأدلوا بأصواتهم لصالحه. أنني لم أدلي بصوتي لصالحه، ولكنني لو أدليت بصوتي لصالحه لشعرت الآن بالذنب والخجل العميق رغم أن صوتي لا يمثل إلاّ سهماً بسيطاً في مجموع الأصوات التي شاركت في انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
*نشر المقال على موقع ايران امروز بتاريخ 13 آب 2013