المنبرالحر

خياط العائلة .. / عبد السادة البصري

البصرة الميناء ، البوابة التي تطل على العالم من جهة البحر، دخلتها أغلب المهن المدنية منذ زمن بعيد ، ومنها مهنة الخياطة التي استطاعت أن تتغلب على ( المنيفاكتورا)أو حرفة الخياطة البيتية للعباءات والصايات وغيرها، وتأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام البصريين الذين أخذوا يزورون دكاكين الخياطين الأوائل وأغلبهم من الهنود والباكستانيين أمثال غلام رباني ، وغلام حسين ) ليفصّلوا لهم بدلات الأعراس والأعياد. وكان لـ صوت ماكنتي ( سنجر ، بروذر) وقع في أسماع الصبية.
أذكر أن أبي حينما نجحت من السادس الابتدائي بتفوق عالٍ أخذني إلى أحد خياطي مدينتنا ليفصل لي ( قاطاً) من ( السموكن )هدية نجاحي الباهر. وكان أحد خياطي مدينتنا ( الفاو) أعتقد ان اسمه الحاج حمزة عباس الخياط قد وضع ماكنة ( سُنجر )قديمة على رفٍ فوق باب بيته اعتزازاً بمهنته.
كان من أشهر الخياطين الأوائل في البصرة ( نوري عياش، قاسم صالح ، حميد علوان، عبد الغني السامر، محمد حسين، محمود مسعود .. وآخرون، حيث كانت دكاكينهم ملتقى علية القوم والمثقفين والمعلمين والسياسيين وغيرهم. وكانوا يشترون لوازم الخياطة كاملة من محل الحاج حسين ملا علوان، وكانت أشهر ماركات الأقمشة المستوردة آنذاك أبو الخروفين وأبو العلمين إضافة إلى أقمشة (فتاح باشا). ثم دخلت الأقمشة اليابانية في السبعينات. وكان يُكتب اسم التاجر المستورد إلى جانب اسم الشركة المصدرة والمعمل ورقم المنتج على حافة القماش، وكان محل ( سنجر ) لصاحبه ( ألبير) المحل الوحيد لبيع مكائن الخياطة وأدواتها الاحتياطية .
كان لكل عائلة خياط ثابت يُعتبر خياط العائلة حيث يتعاملون معه في كل الأوقات والمناسبات وبينهم علاقات صداقة تصل حد التقارب والتصاهر العائلي. والخياطون يختلفون بنوعية خياطتهم ، منهم المتخصصون بالبدلات الرسمية وآخرون بالبدلات الشعبية والقمصان والملابس الأخرى.
محلات الخياطين أيام زمان كانت مكاناً للقاء الأصدقاء والزملاء وحتى الاجتماعات الحزبية بعض الأحيان.
اليوم ونحن نقف أمام أزمات متعددة من فساد وإرهاب وخراب وإفلاس نحتاج إلى خياطين مهرة ليخيطوا ويروفوا ما تشقق أو تمزق من هذا الوطن.
نعم، الوطن يحتاج إلى خياط عائلةٍ حقيقي .