المنبرالحر

العاقون ! / محمد عبد الرحمن

على مدى سنوات عدة نعت « مثقفون مأزومون » او لنقل « اشباه مثقفين » او الاصح من تخيل نفسه انه اصبح « مثقفا » بمجرد تأبطه مجموعة كتب لا نعرف ان كان يفقه ما فيها ام لا ، هؤلاء نعتوا الشعب المصري الذي امهل ولم يهمل ، بشتى النعوت ، فقلب هذا الشعب المقدام حسابات هؤلاء راسا على عقب فاختلت المعايير والمقاييس عندهم وهؤلاء انفسهم اليوم يركبون الموجة ويريدون اعماما ارادويا ، ذاتيا لاي حراك مجتمعي على كل شعوب الارض ، بل لا يتورعون عن تقريع شعوب باكملها ، كما كانوا يفعلون ، لا لشيء الا لانها ، وحسب مقاسات بعض هؤلاء المتحذلقين ، تاخرت عن هذا الحراك الذي رسموا له موعدا افتراضيا في مخيلتهم التي اصابها العطب ودخلت في مرحلة الهلوسة .
المصيبة ان هؤلاء لا يتورعون عن تقريع شعبنا ولومه ،وربما بحالة اشد واسوأ من نقدهم وتوجيه سهامهم الى من اوصلنا جميعا الى الحال الراهن . فهو العقوق بعينه ، وعدم الدراية ، وان حسبنا البعض قد نضج ، فيبدو انه في السياسة ما زال مراهقا و ينطبق عليه « لا يندل ولا يخليني ادليه » .
والمصيبة الاكبر انك تعرف هذا البعض العاق جيدا ، وكيف لا وقد علمته كتابة حتى اسمه ، وانت من اخترته كي تساعده في الوقوف على رجليه فاذا به يخيب كل الظنون ليس بالمعنى الضيق ، بل الخيبة بمعناها الواسع الانساني ، ولا يغير من حقيقة هذا الامر ان يحتل هذا البعض مواقع معينة في صحف ، او انه من هواة التنقل بينها ، وربما بسبب المزاجية المفرطة الملازمة .
على اية حال هذا البعض ليس بالجديد فقد مرت على العراق وعلينا نماذج كثيرة من هؤلاء ، والبعض قد انزوى بعد ان عرف حقيقة نفسه ، فيما يواصل اخرون تسويد اعمدة صحف في مسعى لتعميم ما يختلج في النفس من يأس واحباط ، كان وما زال ملازما لهم .
على اننا كنا وما زلنا نقول بغنى الحياة وعمقها ، والثقة العالية بالناس ، وهي تعلمت الكثير من تجاربها ، والجماهير ليست تحت طلب هذا البعض النزق ، والطلائع لا تقاتل بنفسها ، ولكن الحق مطلوب منها المبادرة المدروسة الواعية ، وليس الطائشة المتهورة لمجرد اشباع نزوات هذا البعض المريضة . وفي حراك نضجت اسبابه او في طريقها ، ولنسمه مدنيا ، كما كتب هذا البعض ، لا ينتظر تعليمات لا من هذا المثقف الهمام ، ولا من ذاك « المدني » ، ولا من أي «مكتب سياسي» كما جاء في العمود المتهافت .
يبقى اخيرا ان نعتذر للقارئ على اقحامه في موضوع ليس هو ابن ما يعيشه الان ، ولكن ماذا نعمل وقد فسر البعض سكوتنا على بذاءاتهم طويلا بانه ضعف ، ونحن منغمسون بهموم الوطن والمواطن ، ولا نريد الانجرار الى قضايا ثانوية يبدو انها غدت من ديدن البعض من اجل التكسب ، ومعذرة ثانية لاستخدامنا « التورية» فقد حاول كاتب العمود عن «الحراك المدني» التشاطر علينا بان لا يذكر اسم حزبنا الشيوعي فيما هو المقصود ، وهو الحزب الذي علمه أبجدية السياسة والكتابة . ولكن لا بأس ففي العوائل ، ايضا ، هناك عاقون .
على ان الفرق شاسع بين ما يكتبه هؤلاء المأزومون ، وبين النقد الحقيقي البناء فهو كان وما يزال الابواب مشرعة له .