المنبرالحر

اعادة انتاج الارهاب عربياً واسلامياً: اميركا وقلب الموازين في الخليج..! / فخري كريم

دخلت المملكة العربية السعودية، على خط مصر - الاخوان المسلمين، لتبعث على لسان مليكها رسالة شديدة الوضوح، لا تخلو من تحذير مبطن او إلفات نظر، الى الولايات المتحدة والدول الاوربية التي لها مع المملكة مصالح مالية وسياسية وعسكرية، والاهم خطوط انعاش بترولية استراتيجية على اقتصادياتها وتجارتها البينية.
وبهذا الموقف الذي سارعت الامارات والكويت والاردن، وقد تتبعها دول اخرى، الى دعمه، يصبح اوباما مكشوفاً في ما بدا له مستوراً، امام حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة في العالم العربي. ومع ان الموقف السعودي المدعوم من بلدان عربية خليجية ومغاربية، ليس جديداً فيما يتعلق بالوقوف الى جانب مصر في مواجهة الاخوان المسلمين، فان تأكيده اول امس على لسان الملك عبد الله، يعني تكريسه كنهج سياسي، في مواجهة المخطط الاميركي والاوربي الذي بات مفضوحاً من حيث الاهداف المرسومة "لمقايضة" الانظمة الخليجية بما تراه مساومة مع تنظيم الاخوان المسلمين، يحقق لاميركا حماية مصالحها على المدى المنظور، ويمد لها "جسورا دافئة" مع قوى وتنظيمات التشدد الاسلامي، ويبرد جبهات القتال معها، وقد يؤدي الى هدنة تاريخية بينهما، وفي مقدمة هذه القوى والتنظيمات، القاعدة التي تعاني منذ مقتل بن لادن من مظاهر ترهلٍ واعياء وتراخ.
ان من بين اغراءات الصفقة السرية المبرمة بين الاخوان والولايات المتحدة، كما كشفت عنها تطورات الاحداث في مصر منذ تولي مكتب الارشاد السلطة وقيام محمد مرسي ادارة الاتحادية بالنيابة عنه، تكريس دور حماس الاخوانية كبديل عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وصياغة ثوابت مقبولة لشراكة اسرائيلية معها، تضمن بالدرجة الاساس ما تريده اسرائيل من حلٍ نهائي. والتسوية التي رعاها مرسي في مقتبل حكمه بين حماس واسرائيل، عكست "بروفة" ناجحة لهذا التوجه. كما ان التغاضي عن تسلل اعداد غفيرة من الارهابيين الى سيناء مع اسلحتهم النوعية، برعاية ودعم حماس وحكومتها الساقطة في غزة، وكذلك امتناع الرئيس المخلوع عن ملاحقة المعتدين على القوات المسلحة، وخاطفي عناصر منها، دليل آخر على مضامين الصفقة الخطيرة التي اجهضها الشعب المصري وقواته المسلحة.
وليس بلا ارتباط مع هذا التوجه، اكتشاف خلايا الاخوان المسلمين في الامارات العربية المتحدة منذ شهور، بالتعاون بين المخابرات السعودية والامارات، وضلوع مشيخة قطر في مدها بالدعم اللوجستي والمالي، وادارة نشاطها بالتنسيق بين التنظيم الدولي للاخوان ومكتب ارشاد "المقطم". اذ تبين بوضوح ان مخطط الاخوان بات يستهدف الاطاحة بالانظمة الخليجية، لما لدولها من قوة اقتصادية مهيمنة عربياً، ومركز دولي يمكن ان يؤمن للاخوان غطاءً دولياً، يحمي "ولاياتهم" التي يطمحون من خلالها إحياء الخلافة العثمانية، بلبوس جديد. ولا بد من الانتباه في هذا السياق، لما اطلقه المرشد السابق للجماعة في لقاء متلفز، عن جواز اناطة رئاسة مصر لمسلم اندونيسي!، مرفقاً فتواه تلك بالتحقير السافر لمصر وهو يقول: "طز في مصر"!
كما ليس خروجاً على هذا السياق، الاستهداف السري للمملكة الاردنية، وابداء التشجيع بأكثر من صيغة للمتأسلمين فيها، والايحاءات بامكانية مقايضة النظام فيه معهم، في اطار امرار التسوية الاسرائيلية - الفلسطينية بأدوات الاخوان وقوى الاسلام السياسي. ويتأكد هذا ايضاً من محاولة قطر استضافة قيادة حماس كخطوة استباقية، على قدم المساواة مع الوفد الرئاسي للسلطة الفلسطينية، وكاد مسعى المشيخة المشبوهة ان ينجح لولا اصرار الرئيس محمود عباس على رفض ذلك والتلويح بالتهديد، وليس بمعزل عن دعم عربي لموقفه الوطني المصيري هذا. ولاظهار الترابط غير المستور بين حلقات المخطط الاخواني الدولي، لابد من الاشارة الى ان مسعى قطر لم يأت بمعزل عن تنسيق وتفاهم مع القيادة التركية.
ويعني هذا المخطط، في باب من ابوابه، في حالة نجاح خلايا الاخوان بالاستيلاء على الحكم في الامارات، الاقتراب المتلازم من خاصرتيها، ايران المستهدفة اميركياً، والسعودية التي ترى فيها ما يُشبه الوضع الايراني عشية حكم الشاه المخلوع وقيام الجمهورية الاسلامية. وهو ما تعتقد بشأنه اوساط اميركية نافذة، بضرورة توجيه ضربة استباقية سياسية، وان جاء ذلك عن طريق اتفاقٍ مسبق مع تنظيم عربي - دولي، له شبكة عالمية وامتدادات في العالم الاسلامي، وتمكينه من القيام بهذه المهمة.
ان من شأن تمكين تيار الاسلام السياسي، الاخواني والسلفي المتحالف معه، السيطرة على المفاصل الاستراتيجية في العالم العربي وحواشي رخوة من العالم الاسلامي، وتمزيق نسيج المجتمعات العربية والاسلامية، واخضاع "تعدديتها" و"تنوعها الثقافي"، الى ابشع اساليب الصهر القسري والاخضاع الفاشي، واثارة موجات من الكراهية والاقتتال على الهوية وتفكيك ما ظل واهياً من مؤسسات الدولة، وتجريح القوات المسلحة وتهميش دورها، وإلهائها بمعارك وهواجس ليست بعيد عن التنابزات الفرعية، التي تدور في مجتماعتنا التي غدت هشة، بفضل تناوب الانظمة المستبدة والطائفية على الحكم فيها.
ولا يغيب عن هذا التوجه اغراق المنطقة في اتون "الفوضى"، مما يبدد ثرواتها الطبيعة والبشرية، ويعيق اي تطور اقتصادي او اجتماعي او سياسي او ثقافي فيها، بل سيؤدي لا محالة الى الاجهاز على اركانها الحضارية، ومصادر غناها الروحي وتوقها للحاق بركب التقدم الانساني.
وقد يبدو مثيراً للشك، ان تتماشى الولايات المتحدة مع هذا التوجه الذي يمكّن تيار الاسلام السياسي من مقاليد حكم العالم العربي والاسلامي، رغم ان من الممكن ان يضعها ذلك في مواجهة اعاصير سياسية وحروب وصدامات محلية واقليمية. ومبعث هذا الشك ايضاً، ان تعهد بذلك لتنظيم دولي اسلامي، يبتغي، من حيث الشكل، فرض الشريعة الاسلامية وقسر مجتمعاتها والتضييق على الحريات وحقوق الانسان والمواثيق الدولية، ومسخ الشخصية الانسانية للمرأة والحجر على المكونات والمذاهب والتنويعات الاجتماعية على اختلافها!
والتساؤل في هذا السياق: وهل في ذلك تضارب او تناقض مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الدولي، اذا ما اخذنا بالاعتبار ان هذا الخيار سيؤدي قطعاً الى تنضيب مصادر الثروة، وانهاك هذه الدول او الولايات الاسلاموية، وتفكيك مؤسساتها واركان دولها، وجعلها على هامش التطور والبناء والتحضر لعقود قادمة؟
ويظل الامل في ان تستطيع القوى الوطنية المصرية مدعومة من الشعوب العربية المُستَفَزة من تيارات الاسلام السياسي، والصراع الطائفي المقيت، ان تنتصر في معركتها ضد الارهاب الاخواني المدعوم اميركياً واسرائيلياً، وحماية دولتها العميقة وقواتها المسلحة ووحدة المجتمع المصري وتنوعه وتعدده الضامن لاستمراره في الحياة والحرية والتطور والنمو الحضاري والانساني.
ومن باب اولى، تتطلب خطورة الموقف والمخطط المرسوم دولياً، العمل عل اصطفاف عربي واسلامي، يأخذ بالاعتبار ان الطائفية وتغذيتها وتأمين حواضن لها، والتغاضي عن ادواتها الاجرامية تحت اي مفهوم او شعار، سيفٌ ذو حدين، ومنشار لا يفرق بين يمينه ويساره.