المنبرالحر

التربية الثقافية واحترام الرأي الاخر / ليث عبد الغني*

كل البشر يولدون ويكبرون في بيئة ما، وفي وسط ثقافي معين، حيث تتحكم العادات والتقاليد والأديان من الناحية الاجتماعية بسلوك كل واحد منهم. وهم بحكم الوراثة هذه، وقوانينها يحافظون عليها. ولهذا تتكون شخصية ومفاهيم كل منهم من تلك البيئة والثقافة التي تأثروا بها منذ الصغر. أما قواعد ومعايير الثقافة فهي من نتاج البشر، وأنشطتهم المتنوعة التي تتأثر بمعايشة الناس ومعاشرة البعض للبعض. ومن تلك العلاقة تنتج العادات والتقاليد والفلسفة، وتظهر وجهات النظر المختلفة فيما بينهم عن الحياة وتفاصيلها، وأيضاً وسائل تعبيرهم عن المشاعر والأفكار التي تتجسد في فنونهم، وأشكال الأعمال التي يقومون بها، وينفذونها. لقد عرف موقع ويكبيديا الثقافة على إنها " تهذيب النفس و صقلها، وهي عبارة عن مجموعة من السلوكيات و الضوابط المتبعة ، لتقويم السلوك للفرد أو المجتمع ، عن طريق الخوض في المعارف و العقائد و الفنون و الثقافات المختلفة ، و التي تهدف بمجملها إلى تقويم السلوك. و يظهر المعنى الحقيقي للثقافة في السلوكيات، عن طريق الاعتقادات المتّبعة، والأفكار المدروسة البناءة ، والتذوق العالي لمختلف الفنون والثقافات، و سرعة البديهة في اتخاذ القرارات الصائبة، وحسن التعبير، و حب المشاركة واحترام الرأي و الرأي الآخر، حينها نطلق عليها (ثقافة عالية المستوى). " المراجع : ويكبيديا ، الموسوعة الحرّة .
إن الثقافة تتغير من مجتمع الى آخر، ومن مجموعة الى أخرى، ومن جيل الى جيل، وهي تتطور مع العصر تأثيراً وتأثراً وتبقى جذورها متأصلةً ومرتبطةً بعراقة مجتمعاتها،. وينتقل هذا التطور أيضاً من عائلة إلى عائلة، ومن شخص إلى آخر، فهي إرث يلازم كل إنسان. ولهذا ظلت الثقافة جزءً من هوية الفرد المرتبطة بالمكونات البشرية، و لهذا فمن الصعب عليها التخلي عنها . لهذا يتطلب من الفرد احترامها وممارستها كثقافة وهوية وأرث، بشرط أن يحترم ثقافة الآخر أيضاً، وإن كان تقبلها صعباً أحيانا، فإن سبب ذلك يعود لجهلنا تلك الممارسات التي أصبحت من ثوابت مجتمعات متطور .
لم تصل الثقافة إلى هذا المستوى من التطور بدون مرورها بمراحل بذلت فيها جهود كثيرة، فهي لم تأت لتعيش في مجتمع سلوكي وفكري محدد بجغرافيته، بل تطورت كي تتصل وتعيش مع البشر كلهم. إن الصراع والتعصب اللذين يتجسدان في فرد ما لم يكن بسبب الثقافة وتنوعاتها بل بسبب المفاهيم المختلفة في معرفة الواقع من قبل البشر. ويبقى المفهوم الحقيقي في رأيي الشخصي هو أن كل من يحترم ويعجب بثقافة الآخر هو خلاصة تربيَة الثقافية التي منحته حب شعبه وحب الآخرين واحترام ثقافتهم .مؤكداً على هذا المفهوم الدكتور صلاح جرار في مقال عنوانه الحرية واحترام الاخرين والذي نشر في صحيفة الرأي بعددها الصادر يوم الجمعة 2013-02-22، حيث ذكر بأن الحرية لا تكتمل لأي شخص ما لم يحترم حريات الآخرين، لأنّه باحترامه لحريّات الآخرين يضمن احترام الآخرين لحريّته، فيستمتع بحريّته من غير أن يخشى عليها إساءةً من أيّ متدخّل أو متطفّل.
النرويج في6 كانون الثاني 2016