المنبرالحر

الخامسة بجدارة / قيس قاسم العجرش

ربما هو النّحس الملازم لكل خطوة يُراد منها الإصلاح فتنقلب الى العكس تماماً.
لقد جاءت»البطاقة الوطنية الموحّدة»تحت عنوان إلغاء تعدد الوثائق المطلوب من المواطن إبرازها في معاملاته مع الدوائر الحكومية. الغرض النبيل والعقلاني هذا، سيلغي ملايين الساعات المهدورة التي على المواطنين أن يقضوها في مراجعات استخراج ما عُرف بـ «الوثائق الأربعة» وسيوفر المليارات من الموارد المخصصة لاستخراج الأربعة الشهيرات ويختصر الزمن ويغلق ابواب التزوير.
صحيح أنه مشروع مازال في طور التجريب، وصحيح انه جاء متأخراً بمدّة تقاس بالسنوات وصحيح أن دولاً أدنى من العراق في موارده البشرية والمادية قد حلّت هذه المعضلة منذ زمن، لكن ليس لنا إلا التفاؤل بهذه الخطوة.
ولأن النحس لا يرغب في مفارقتنا، فقد أمهلنا قليلاً فقط كي نفرح ببطاقتنا الوطنية «الموحدة» والتي استلمها حتى الآن أقل من واحد بالألف! من عديد سكّان العراق. وما هي إلا ايام بسيطة حتى سمعنا نحنحات الروتين مرّة ثانية وظهرت دوائر الدولة وهي تطالب الناس بإبراز وثيقة خامسة. وهي «فاتورة الكهرباء».
الأمر بدأ من المحافظات تحديداً ثم امتد باتجاه بغداد. في إجراء يقول عنه مُروّجوه أنه سيعمل على إجبار الناس كي يدفعوا ما بذمتهم لوزارة الكهرباء.
لا أضع أي نبوءة هنا، لكن هذا الإجراء لن ينفع في حث الناس على دفع ما بذمتهم لشبكة الكهرباء. خاصّة وهم مقتنعون تماماً أن مشاريع الكهرباء التي استهلكت زهاء 40مليار دولار خلال السنوات العشرة الماضية، لم تنجح حتى اليوم في ردّ جزء من استحقاقهم في خدمة مستمرة ومستقرة ومجزية للثروة العظيمة التي صرفت في هذا المجال.
ان اسوأ أنواع التخاطب الحكومي مع الناس هي أساليب القسر والتعقيد والابتزاز عبر إضافة حلقات روتينية.
لأن المسؤول الذي يفكر في صنع «فخ» كي يجبر الناس على أداء ما بذمتهم، لا يستحق بالأصل الثقة والإئتمان على المصالح العامة. والذي سيحصل أن النسخ الملونة للوثائق الأربعة والتي تعوّدت الكثير من دوائر الدولة رميها في سلة المهملات بعد استلامها من المواطن، أضيفت اليها شقيقة خامسة وبجدارة.
من حق المواطن أن يظنّ السوء في افكار كهذه تبتغي محاصرته بينما يسمع أن هناك جهوداً لتقليل الروتين ومحاربة الفساد اضافة الى العنوان العريض الذي أعلنه رئيس الوزراء، عام محاربة الفساد.
نعم، يتوجب بكل تأكيد ان يدفع المواطن أجور فاتورته من الكهرباء، لكن ليس عبر ابتزاز البسطاء والأهم، أن يتم هذا بلا تعطيل لحقوق الناس. الحق لا شروط فيه كي يناله المواطن. هكذا نفهم العدالة.