المنبرالحر

الغد الذي لم يأتِ بعد / قيس قاسم العجرش

«الغد»، الصحيفة الأردنية المعروفة، صدرت في مثل هذه الأيام من شباط 2005 في عمّان وهي تحمل لقاءً موسعاً مع عائلة «رائد منصور البنّا» من مدينة السَلط، الإرهابي الذي قاد في ما بعد صهريجاً محمّلاً بالنفط الأبيض والمتفجرات ودخل الى مدينة الحلّة ليفجّره وسط سوق شعبي وكان ذلك الهجوم الأعنف الذي ينفذه الإرهاب، وانتهت حفلة القتل بـ 137 شهيداً عراقياً ومئات الجرحى.
أهل الإرهابي أقاموا له العزاء بعد الجريمة، والصحيفة حضرته ونقلت تعابير الأهل ووجهة نظرهم بأنّه قد قضى «شهيداً» في سبيل الله. طبعاً لم تكن تلك المرّة الأولى التي يقام فيها العزاء الإحتفالي لإرهابيين لقوا حتفهم في العراق. وتلاه إرهابيون آخرون قدموا من الأردن ومن كل مكان في العالم ولغاية يومنا هذا.
لنفترض أن الحكومات لا تعلم، لأن هذا جدل يطول في الإثبات والنفي.
لكن ما حدث مع رائد البنّا يستحق المراجعة.
فبعد أن نقلت فضائيات عربية وعراقية حجم الدمار الشامل الذي خلّفه اعتداء الصهريج، وان الضحايا كانوا كلّهم قطعاً من المدنيين، لم يفلح التبرير الشعبي او الإعلامي في توجيه الإعتداء ليبدو وكأنه استهدف قوّات الاحتلال الأميركي أو حتى الشرطة العراقية ( التي يبرر ذلك الخطاب استهدافها ايضاً). ويبدو أن هناك من ضغط على عائلة البنّا لتغّير شيئاً مما قالته الى صحيفة»الغد» كي يبدو وكأنهم أقاموا عزاءاً مُعتاداً لا شهادة فيه ولا تشفٍ بالعراقيين، مجرّد عزاء لابنهم. وقدّم الناطق باسم الداخلية الأردنية إيضاحات وقتها، ثم كانت هناك كلمة لرئيس الوزراء الأردني ليوجه بعض التعاطف للعراق ويؤكد وقوف الأردن ضد قتل الأبرياء! من أبناء الشعب العراقي( ضد قتل الابرياء فقط!) ولم ينس طبعأً أن يردّ بقوة على المرجعية الدينية في العراق التي أدانت تصرّف من احتفلوا بقتل العراقيين عبر سُرادق مأتم رائد البنا وعدّوه شهيداً.
الملك الأردني عبد الله أراد وقتها أن يخفف من وطأة الضغط الذي تعرضت اليه الصحيفة الأردنية «الغد» باعتبارها من تسببت في هذه الأزمة عبر نقلها لتعبيرات عن عائلة رائد البنا فُهمت على إنها ترويجٌ للإرهاب وتمجيدٌ له، فقام بزيارة لمقر الصحيفة وأعرب عن دعمه لحريّة الصحافة.
لكن، ما هي الا أسابيع حتى كررت عائلة البنا تأكيدها على تمجيد العمل الإرهابي الذي أتاه رائد وأكّدت إنها تحتسبه «شهيداً» عند الله.
بل إن ارهابيين آخرين قتلوا في العراق، بعد هذه الحادثة وأقيم لهم العزاء، ولم يعتذر أحد عن تسميتهم بالشهداء واستحسان جريمتهم.
11 عاماً مرّت على هذه الحادثة. ولم يتغير أي موقف من بين كل المواقف التي رافقتها. لم يتغير شيء. ولم نسمع أي اعتذار.