المنبرالحر

المُلثّم ! / قيس قاسم العجرش

جاري الملثم هذا للأسف ذاق مرارة الحياة كثيراً لكنه لم يفهم منها شيئاً. أحيانا ً اشعر أنه طيب القلب وأحياناً أراه قليل العقل ويسهُل خداعه بأيّ عبارةٍ عاطفية أو غيبية.
وحين سقطت الدكتاتورية، هاجت وماجت عواطفه. لا يعلم، هل كانت فرصة للاحتفال بأن يسطو على إحدى دوائر الدولة أم إنها ساعة مناسبة للتملّق لأحد الأحزاب السياسية البارزة؟.
وسرعان ما أدرك الملثّم أن الأمور صائرة الى نظام المحاصصة وان السّلطة ستكون في قبضة الأقدر على إثارة الجدل الطائفي والعرقي وانتبه الى انه بارع في هذا الهذر.
وعرض خدماته على أحد المُتنفذين الذي قدّمه للعمل في حاشية السّلطة بعنوان «معاون ملاحظ ملثم!»....ووعدوه أنه لو أجاد العمل فانه سينال الترقيات وقد يمشي مع السركال نفسه.
ولأنه ملثّم، فقد كانَ يناطُ به دائماً العمل الذي يلطّخ الملابس ويوسخ الأيادي بينما حافظ السراكيل الذين انخرط بالعمل لديهم على ملابسهم نظيفة ومعطّرة.
وفي يوم ما انتبه الى أن سيّده أخذ يذمّ في مناسبة علنية عملاً كان قد كلّفه به شخصياً في السّر. وانزل السيّد السركال لعنات الأولين والآخرين على من قام بهذا العمل. ارتعب الملثّم وهرع الى بيت سيّده يستفهم عن صحّة اللعنات التي ستقع على رأسه، فطمأنه ملثمٌ آخر يعملُ حاجباً عند الباب بأن هذا الكلام إنما موجه للعامّة وإنهما كملثّمين عليهما ان يستمعا لكلام ربِّ عملهما الذي يقوله لهما شخصياً في السّر فقط!.
اقتنع الملثّم واستمر يتلقى التعليمات ومعها طبقٌ من فضلات مائدةِ السركال وهو يشعر بالسعادة والتميّز.
وفي يوم اراد الملثّم أن يحصل على وظيفة في الحكومة، فقدّم له ربُّ عمله مساعدةً ثمينةً للغاية بأن دبّرَ له شهادة مزوّرة عيّنه بها في وظيفة حارس بباب إحدى الدوائر. لكنّ السركال أمره(إضافة الى وظيفته)كحارس ،أن يقف بالباب ويشمّ المارة فيما لو كان إحدهم قد عرف شيئاً عن سيّده السركال او سمع شيئاً.
حينها اعترض ملثّم آخر أحدثُ من الملثّم جاري، وقال إن هذه مهام الكلب في العادة. فما كان من جاري الملثّم إلا ان أفهمه بأنه مخطئ. وان السركال يقول في العلن غير ما يقوله في السّر وهكذا تمشي الأمور.
ومنذ ذلك اليوم وهو يواصل تقديم خدماته للسركال، مرّة يحمل عصاة ويهاجم الناس الذين اكتشفوا مفاسد سيّده ومرّة ينظف الفضلات التي يخلفها سيّده ومرّة يطعن بالسكاكين من ينتقد السركال.
وفي كل يوم كان السركال يزيد حصة الملثّم من فضلات المائدة، بل انه في احد الأيام منحه كل الفضلات دفعةً واحدة...وكانت تلك أحلى ليالي الملثّم، وأسوأ أيام التظاهرات ضد السركال الفاسد.