المنبرالحر

أقسام داخلية / راصد الطريق

حين أكملنا الإعدادية في زماننا، خاتمة الحكم الملكي، و14 تموز في بدايتها، كان همّنا، همّ الطلاب الفقراء من المحافظات، لا أن يدخلوا كلية الطب ولا الهندسة، حتى إذا سمحت معدلاتهم بذلك. كان همّ الطلاب الفقراء من المحافظات أن يُقبلوا في دار المعلمين العالية، في القسم الداخلي. حتى مَنْ أحوالهم المالية تسمح بذلك يفضلونها، بخاصة الطالبات.
في الأقسام الداخلية سكن، وغسل ملابس مرة في الأسبوع، وطبيب الكلية، وثلاث وجبات طعام وحلاّق.. وكانوا يؤجرون للطلاب وللطالبات أفضل قصور الوزيرية، وكانت هناك لجان دورية من الطلبة لفحص ومراقبة الأطعمة والفواكه ونوعيتها. كذلك جهاز لفحص الحليب وكثافته خشية غش المتعهد.
لن يتيسر هذا لطلاب يسكنون على حسابهم الخاص مهما امتلكوا من نقود. هنا تكامل غذاء وخدمات وألفة اجتماعية وحصانة.
كيف هي الأقسام الداخلية اليوم وبعد أكثر من نصف قرن؟
غرف ناقصة الخدمات، ناقصة التدفئة، لا أطعمة ولا صحة ولا حماية ولا حديقة ولا أية عناية كافية..
أتذكر دواليبنا في القسم الداخلي وأكياس الغسيل التي نجمع فيها ملابسنا ليأتي من يأخذها كل أسبوع ويعيدها إلينا نظيفة مكوية. الطعام والطبيب والسكن والخدمات وحتى الحلاق مجاناً، وثمة من يراقب ويطمئن علينا.
وأنا أمر على الأقسام الداخلية البائسة اليوم، وبعد نصف قرن، أرى الملابس على الحبال والمبردات الصدئة المخجلة، والطلبة يشترون خبزهم والخضار ويسكنون غرفا بائسة، ولا ادري إن كان لمجموع الأقسام الداخلية طبيب، لكني اعرف الصحة المدرسية..
الاهتمام بالأقسام الداخلية ليس امرأ محدود الجدوى، يقتصر على توفير سكن. بل هو مجال تربوي وتنشئة مجتمع وحياة وثقافة وتعارف.. الطلبة من اختصاصات مختلفة، وهذا يعني مصادر ثقافة ومعارف مختلفة. وجود قاعة للمطالعة، وقاعة للرياضة، وسكن صحيح متكامل، يعني نمواً صالحاً وحياة اجتماعية.
أولاء سيخرجون الى المجتمع وهم سيؤدون الدور التربوي. لا نريدهم أن يعيشوا بؤساً وعوزاً وسخطاً وعدم رضا.
إن منظر الملابس على الحبال والمبردات القديمة الصدئة معتمة الوسط، تالفة الأبواب، وعدم توفير مطعم مشترك للطلبة لا نقول مجاني، في الأقل مطعم مدعوم، بأسعار بسيطة.. هذه كلها ضرورات حياة، وضرورات حياة جامعية سليمة وتربية وطنية أيضا!