المنبرالحر

عطال.. بطال.. / عبد السادة البصري

كلما ألتقي أحدهم وأسأله: أين أنت الآن؟ يجيبني بأسى : والله عطال.. بطال..!
تظل الكلمة ترن في أذني كأنها طرقات ( جاكوج) تحطم كل صفائي وتأملاتي ، لأعود وأسأل: لماذا؟ ألا يوجد عمل ما؟، فيأتيني الجواب أكثر قوة من تلك الطرقات: أين هو العمل .. وكل شيء متوقف عن الحركة؟ كأن الحياة غادرت أرضنا ومعاملنا ، وصار العوز والقهر والبطالة ونزيف الدم هو المتحرك الفعلي في كل مكان؟
حينما أخفق أخي الكبير في دراسته سيق إلى الجيش وبعد تأديته الخدمة العسكرية تم تعيينه في شركة الموانئ التي كان اسمها حينها مؤسسة الموانئ العراقية، ليبدأ رحلة عملٍ لم تنقطع إلا بإحالته على التقاعد نهاية العام الماضي. بمعنى انه لم يكن عاطلاً بل قدم خدمة لوطنه من خلال عمله اليومي في الموانئ. وغيره الكثير من الشباب الذين أصبحوا الآن كهولاً، منهم مَن غادر دنيانا ومنهم ما زال يعمل. كلهم لم يكونوا عاطلين أبداً. هناك العمال والموظفون الذين قدموا ويقدمون الشيء الكثير والخدمة الجليلة لناسهم وأرضهم ولعوائلهم أيضاً.
لكننا منذ 2003 متى هذه اللحظة لم نسمع عن توظيف عمال أو موظفين هنا وهناك إلا بشق الأنفس أو عن طريق ( الواسطة). المصانع أكثرها متوقف عن العمل ما أدى إلى ركود الصناعة ، بل توقفها تماماً. كذلك المشاريع الزراعية لم تؤدِ دورها المطلوب ، بل وتوقفت كل أنواع الزراعة أسوة بأختها الصناعة لنصبح مستوردين ومستهلكين لكل ما يُنتج زراعياً وصناعياً في دول الجوار وغيرها.
والطامة الكبرى الآن وبفضل الأزمة المالية وما ذهب أدراج الجيوب الفاسدة والصفقات المشبوهة من مالٍ، نقف على أعتاب تقشفٍ قد يدفع بالبلد إلى حد الإفلاس والانهيار.. فالعمال والموظفون تم استقطاع جزء من رواتبهم، كذلك المتقاعدون وعوائل الشهداء والسجناء السياسيون وغيرهم من الشرائح التي تأخذ رواتبها من الدولة. لهذا سيكون الجميع بين ليلة وضحاها ( عطالين ) لكنهم ليسوا ( بطالين )..، لأنهم قدموا وما زالوا يقدمون خدمة جليلة للبلد، سنوات وسنوات أكلت زهرة أعمارهم.
( البطالون...) هم الفاسدون الذين نهبوا خيرات الوطن وتركوه والشعب على حافة الإفلاس يواجهان مصيراً مجهولا، لأن العاطل عن العمل لم يكن على باطلٍ ذات يوم، بل ( البطالون ) هم الفاسدون أهل الباطل الذي تسبب في عطل الآخرين.