المنبرالحر

دولة الفساد أم فساد الدولة؟! / مصطفى محمد غريب

منذ تأسيس الدولة العراقية بداية القرن العشرين والفساد موجود ولكن بطرق غير ظاهرة وواسعة وطالما تهرب الفاسدون من الوقوع في مطبات العلنية والقوانين المرعية التي سنت حينذاك وكانت الخشية موجودة وتجنب الصدام مع السلطة القضائية والتنفيذية عبارة عن ستار لإخفاء الفساد والفاسدين، وللحق يقال أن البعض من أسماء الفاسدين الذين اتهموا حينذاك بالفساد لم يكن يتعدى أصابع اليد في العهد الملكي ولم تفلس الدولة العراقية أو على الأقل كان يتم دفع الرواتب والأجور في أوقاتها وعلى الرغم من عدم التساوي في الحقوق وفقدان الحريات الديمقراطية لكننا لم نسمع أن بنكاً من البنوك قد سرق أو سرقات أخرى تعد بملايين الدنانير العراقية ذو القيمة الشرائية العالية حينذاك ، أما في العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 فقد ضرب المثل في شهورها الأولى في قضايا الأمان والسلم الأهلي والتعاون الأخوي بين المواطنين إلا أن حل الطاعون القومي المتطرف والأعمال الإجرامية التي قام بها حزب البعث العراقي ثم الإعلان عن القتال في كردستان العراق لكن الدولة العراقية حينذاك لم تفلس لا بل لم تكن على شفا الانهيار وقد بقت واقفة على أقدامها لا بل تطورت إمكانيات البناء الداخلي وصدور قوانين لصالح الدولة والشعب حتى قام المغول الجدد من بعثيين وقوميين متطرفين ورجعيين محليين بدعم قوى عربية وقطرية ودولية بانقلابهم المشؤوم في 8 شباط الدموي عام 1963 ثم سقوط هذا السقط متاع ومجيء حكومة عبد السلام عارف ومن بعده أخوه عبد الرحمن عارف، وللشهادة وعلى الرغم من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية فان الدولة لم تنهار أو أفلست وبقت الدولة تدير الاقتصاد على الرغم من المشاكل الكثيرة وتدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بدون إي حسم يذكر من رواتبهم، وعندما عاد حزب البعث العراقي واستلم السلطة والدولة بانقلاب 17 تموز 1968 كانت الدولة غير مفلسة وطوال 35 من حكم البعثفاشي وعلى الرغم من الإرهاب الداخلي المبني على أساليب القهر وإلغاء الحريات والرأي الآخر والسجن والاعتقال والتعذيب والإعدام والاغتيال والحروب الداخلية بالضد من الشعب الكردي وقمع الانتفاضة في الجنوب وغيرها والحروب الخارجية مع إيران واحتلال الكويت والحرب مع أمريكا ومشاكل الحصار الاقتصادي وفي مقدمتها توقف إصدار النفط والبطالة والغلاء وأزمة السكن وضعف الراتب والأجور وحتى سقوط النظام واحتلال العراق لم تعلن الدولة إفلاسها في ذلك العهد الغابر وعندما استلمت الدولة المنهارة بسبب الاحتلال سرعان ما أعيدت بسبب ضخامة الأموال التي درت على البلاد وواردات النفط الهائلة التي لو قدر لها بوجود أيدي وطنية أمينة لجرى بناء البلاد عشر مرات بدلاً من مرة واحدة وأصبحت في مقدمة دول المنطقة من حيث الرفاهية وتوفر الخدمات واستكمال بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية لتكون حامية فعلاً وفعلياً وليس " حاميها حراميها" لكن الأموال والآثار وحرامية النفط الخام والاستيلاء على المال العام وهيمنة الميليشيات الطائفية وتفشي ظاهرة العصابات والمافيا المنظمة والفساد المالي والإداري جعل العراق في وضع مالي غير حميد ويهدد بإفلاس شامل للدولة وبانت تباشيره من خلال اتخاذ قرارات التقشف وقطع نسب معينة من رواتب الموظفين ورواتب المتقاعدين فضلاً عن إجراءات اقتصادية أخرى، هذه الإجراءات الاقتصادية باعتقادنا لن تؤدي إلى النتيجة المتوخاة لإنقاذ الوضع العراقي بشكل كامل لان الأوضاع السياسية والعلاقات المتشنجة ليس بين الكتل المتحالفة في إطار معين فحسب بل في داخل هذه الكتل نفسها وهناك مشاكل وخلافات لا تعد ولا تحصى وأكثر ما نخشاه وصول الخلافات إلى استعمال السلاح وبخاصة أن هناك ميليشيات طائفية تتخندق داخل كل مساحة سياسية لهذه الكتل إضافة عدم وجود استقرار نسبي بين الكتل صاحبة القرار والتي تتشكل منها حكومة السيد حيدر العبادي، من هذا المنطلق نجد التغيير نحو الأحسن والأفضل تحيطه معوقات غير قليلة وطريق تنفيذ الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء الحالي لا يمكن أن تكون في موقع نستطيع القول أنها سوف تنجح لأن طريقها الملغوم سرعان ما تنفجر عبواته الناسفة وتعطل القرارات حتى تلك التي أعلن عنها في التعديلات الوزارية ونحن نرى حجم المعارضة المتنوعة للتغيير الوزاري لأن أحزاب الإسلام السياسي هي التي مهدت الطريق أمام استفحال الأزمة الشاملة حتى في قضايا امتلاكها ناصية السلطة المالية والسياسية وتوزعت ممتلكاتهم التي لا يعرف أحداً كيف تضخمت بهذا الشكل حتى بات لديها هيئات اقتصادية ولجان للتمويل وهذا الوضع جعل الأمر أصعب مما يتصوره المتابعين لإيجاد الحلول وكما يقال الاعتراف سيد الأدلة فكيف إذا كان الاعتراف على لسان احدهم فها هي عالية نصيف النائبة عن ائتلاف القانون تؤكد في بيان تلقته سكاي برس في 14 / 2 / 2016 أشارت به، إن "جميع الأحزاب لها هيئة أو لجنة اقتصادية مكلفة بتمويل الحزب، ومعظم الوزراء وللأسف لا يتعاقدون إلا مع الشركات والتجار التابعين لأحزابهم، حتى باتت بعض الأحزاب تتضخم وتحصل على التمويل من عدة جهات"، ولم تكتف عالية نصيف بهذا الاعتراف والحقيقة المُرة التي تكلف البلاد أكثر مما هي عليه من فواجع حيث تتابع أن "المشكلة الحقيقية التي أثرت سلبا على الوضع المالي في البلد هي أن القوانين العراقية لا تلاحق الأحزاب التي تتضخم ماليا بشكل سريع"هذه الحقيقة المكتشفة من اقرب المقربين لهذه الكتل والأحزاب دليل على تحويل الدولة لمصدر جني الإرباح وتشجيع الاستيلاء على المال العام وفق طرق ملتوية تحت مظلة الشرعية القانونية وبدلاً من الذهاب للحلول السليمة والوطنية العملية تتجلى التصريحات والوعود بإيجاد حلول هلامية كالدعوة التي جاءت على ألسنة البعض من أصحاب هذه الأحزاب أو حتى الكتل المتنفذة كائتلاف دولة القانون بالدعوة إلى حل غريب " حكومة ظل وإنقاذ " وهذا ما جاء على لسان عالية نصيف نفسها التي كشفت حالات التمويل فهي دعت نيابة عن ائتلاف دولة القانون يوم الأحد 15 / 2 / 2016 إلى " حكومة ظل " وهو طلب غريب لكنه يدل على عمق الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد لا بل تتخطى أكثرية التصورات بالإصلاح وترتيب البيت العراقي وقد أشارت مشككة أن " الحكومة لم تضع آلية معينة للتغيير .. وان الكتل السياسية ستحاسب من يتحدث بالتغيير دون أن يشمل نفسه لكونه هو أيضاً قد خرج من رحم المحاصصة " هذا الرأي ليس أحادي في جانب واحد من قوى سياسية دينية معينة وانه لم يعد محصوراً بأشخاص في حزب أو كتلة معينة إنما بدء يأخذ شموليته في العديد من أحزاب وكتل الإسلام السياسي وغيرها من القوى السياسية المشاركة في الحكومة أو غير المشاركة فقد انتقد أياد علاوي يوم الاثنين 15 / 2 / 2016 " المحاصصة الطائفية " وأكد على سوء الأوضاع بشكل شامل التي أوصلت العملية السياسية إلى طريق مغلق " والعراق إلى " حافة الهلاك " أما التحالف الكردستاني وعلى لسان محسن السعدون فقد أشار إلى ضرورة التغيير لان العراق بات يعاني بشكل مستمر من الأزمات الأمنية والمالية، كما أن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري فقد أعلنها جلية بمطلب " حكومة تكنوقراط " لمدة سنة لكي " تحقق الإصلاح! " وهدد الصدر بالانسحاب من " العملية السياسية " وهناك أصوات عديدة ارتفعت من اجل التغيير والإصلاح للتخلص من الأزمات المالية والأمنية والسياسية والاقتصادية إضافة إلى سوء الأوضاع الخدمية والجميع يقترب بهذا الشكل أو ذاك من رؤيا سياسية طرحتها القوى الوطنية الديمقراطية وفي المقدمة الحزب الشيوعي العراقي الذي أشار " تفشي وباء الطائفية السياسية وثمرتها المسخ المتمثلة في المحاصصة الطائفية – الاثنية .. ونعتقد أن هذه المساعي يجب أن تركز على التخلص من هذين المنهج والمنظومة المدمرين" ثم أكد على " أن الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا وعموم المنطقة، تفرض التحلي بأعلى درجات المسؤولية، وضبط النفس، وتعزيز الوحدة الوطنية، لتجاوز المحنة وشق الطريق المضمون لتعزيز بناء الدولة العراقية ومؤسساتها الديمقراطية"، أن طلب اعتماد عملية إصلاح العملية السياسية يجب في المقدمة الانتهاء من المحاصصة الطائفية وتحقيق المصالحة الوطنية وحصر السلاح في يد الدولة والتخلص من الإرهاب وداعش واعتماد الآليات الأساسية من اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، أما إذا اعتمدت الإصلاحات الترقيعية اللاجذرية فسيبقى الحال كما هو لان المعوق الأساسي لعملية الإصلاح والتغيير سيبقى بيد أولئك الذين لا يمكن أن يتنازلوا عن المحاصصة ومطالبهم بحصتهم أما الطائفية أو الحزبية، ونتفق مع مضمون ما صرح به حنين قدو النائب من التحالف الوطني الشيعي حينما أشار أن "المحاصصة السياسية التي تطغي على العملية السياسية وعمل مجلس النواب والحكومة ستعطل قدرة العبادي على تعيين شخصيات كفوءة في الحكومة"، ثم أضاف ذاكراً أن المحاصصة في كل مرافق الدولة بما فيها وكلاء الوزراء والقيادات العسكرية والمدراء والسفراء إضافة للوزراء وحتى مفوضية حقوق الإنسان ومفوضية الانتخابات وتساءل " كيف يمكن للبرلمان القدرة للتصويت على هذه الأسماء واعتماد العناصر الكفوءة؟" أمام هذه القضايا والكثير من القضايا الأخرى وفي مقدمتها الفساد تجعل من قيمة الدولة بلا قيمة وأصبح شبح الانهيار كأنه حتمية لو استمرت المحاصصة وتفعيل الأزمات، وفعلاً احتار العديد من المتابعين والباحثين عن حلول منطقية أمام ـــ هل هي دولة الفساد أم فساد الدولة ؟ برأينا أنهما الاثنين تداخلاً ليصل الأمر حتى لمن أسس المحاصصة وعمل من اجلها أن يطالب بالتغيير والإصلاح وخير مثال نوري المالكي الذي كان له ضلع في هذا الأمر ووصل الأمر بحيدر العبادي وهو قيادي في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون إلى الإعلان عن استعداده لترك منصبه جراء التغيير إذا لم تستجب القوى والكتل السياسية في البرلمان. نقول في آخر هذه المسألة .. فلتنهي المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة واعتماد الوطنية كمنهج وحيد للتخلص من أكثرية الآفات التي تنخر الدولة العراقية.