المنبرالحر

وزارة الصحة والضرائب المبتكرة / مرتضى عبد الحميد

في بطون الكتب والمؤلفات والتراجم الكثير من الحكايات الجديرة بالاهتمام والدراسة، فيها الصالح وفيها الطالح، فيها ما هو مفيد وما هو ضار، فيها ما يمكن الاستمتاع به ويفتح دروباً ومسالك للفرح والسعادة، وفيها ما يشيب له الولدان، لكن توظيفها لصالح الانسان المعاصر او ضده، يرتبط عادة بموقف المسؤول، الذي قد تكون الصدفة المحضة وضعته في هذا الموقع، او نتيجة لفساد طويته، وربما بسبب قلة وعيه وعدم كفاءته، والعكس صحيح ايضاً.
إحدى هذه الحكايات، ان إقطاعياً كان مجبراً على دفع الأتاوة للوالي العثماني، وهي كبيرة بأسعار ذلك الزمان. لكن المشكلة ليست في الأتاوة ذاتها، وانما في الاقطاعي الذي (كان فاسداً من البيضة) ومتصابياً، بحيث لا تكفيه الاموال الطائلة، التي يحصل عليها من عرق وتعب الفلاحين، الذين يستغلهم أبشع استغلال.
وللخروج من المأزق، كان يأمر سراكيله وحوشيته بجلب المزيد من المال الحرام، من دون ان يبالي بمصير فلاحيه، او مصير عوائلهم واطفالهم، الامر الذي اضطر الناس الى الشكوى من الظلم والجور الشديدين. وبمرور الوقت حصلت عملية تراكم مديدة، وتحولت الشكوى من الهمس الى العلن، ثم الى التحدي، واخيراً الى الانتفاض والثورة!
في عراقنا الشقي، يقال دائماً، ما أشبه الليلة بالبارحة. ففي يومياته عشرات بل مئات القضايا الشبيهة بحكاية هذا الاقطاعي « الشريف « رغم اختلاف الصوت والصورة، وآخرها غزوة الاستقطاعات التي لجأت اليها الحكومة لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلد، من رواتب ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين، وبعد ان افرغت خزائنه من الاموال الفلكية وتسربت بقدرة قادر الى جيوب الفاسدين واللصوص والمتنعمين بالسحت الحرام، من دون ان تجرأ السلطات المعنية على التحرش بهم، دع عنك محاسبتهم واسترداد الاموال المسروقة منهم، مكتفين بالادانات اللفظية والاعلامية والبيانات المكررة، الخالية من الملموسيات وغير القادرة على استرجاع قيراط من المنهوبات.
ولعل وزارة الصحة، كانت الاكثر جرأة في ترميم خزينة الدولة، والافضل ابتكاراً في افراغ جيوب المواطنين مما تبقى فيها، رغم ان خدماتها تكاد تقترب من الصفر، وفيها الكثير من المشاريع الوهمية والمتلكئة، التي ابتلعت مئات الملايين من الدولارات من دون ان يرف جفن لمسؤوليها. لكنهم والحق يقال، لم يقفوا مكتوفي الايدي ازاء عرقلة التخصيصات لوزارتهم، وهم المدركون تماماً لاهميتها وضرورتها في الحفاظ على صحة العراقيين! فلم يكتفوا بزيادة رسوم الفحص الطبي من (500) دينار الى ثلاثة آلاف، وانما (وهنا يكمن الذكاء الخارق) اوجدوا بدعة لم تخطر على بال احد من قبل وهي فرض ضريبة على من يريد زيارة احد المرضى الراقدين في المستشفى (وقدرها خمسة آلاف دينار لا غير) وإلا لن يراه حتى لو كان اقرب الى الناس اليه.
فلماذا نظلم مسؤولينا ونتكلم عنهم بسوء، من قبيل انهم جهلة، أو لا يريدون الخير لأبناء جلدتهم؟ لقد اتعبوا انفسهم وعقولهم في التفكير بحلول ناجعة لما يعانيه البلد من ازمة خانقة، لا يعرف أولي الامر كيف يخرجون منها او يعالجونها.
إبشر ايها العراقي، لأن وزارة الصحة وجدت الحل، وسوف تمتلئ خزينة الدولة مجدداً
بـ (المال الحلال) وتعيش من الآن فصاعداً في بحبوحة، ولا تجد الامراض إليك سبيلا.