المنبرالحر

حتى السلام بفلوس؟! / عبدالسادة البصري

ذات يومٍ مرَ بي صاحبي ولم يُسَلم. ناديته: ما بكَ لا تُسَلم ؟! أجابني: ألَم تعلم أنهم وضعوا تسعيرةً للسلام ؟! اندهشت أولاً وضحكتُ من كل قلبي ثانياً ، وتساءلتُ مع نفسي: تسعيرة للسلام،، هل يُعقَلُ هذا ؟!
لم أزدد حيرةً وأنا أسمع وأقرأ الآن عن قرارات استيفاء أجور الخدمات الطبية والعلاج في المستشفيات الحكومية ، كذلك أجور الإجازات والمراجعات وغيرها التي أعلنتها وزارة التربية مؤخراً. يوم أمس كنت راكبا في سيارة ( كيا) حيث صعدت بعض النسوة من أمام مستشفى الفيحاء العام وهن يتذمرن ويشكين. وانفردت إحداهن باكية وهي تقول: شيريدون منا بعد؟! وين راح يأخذون البلد يا ناس؟! كل شي سرقوه حتى صحتنا!
سألها احدهم: خالة اشبيكِ..؟! أجابته: خالة كلشي بفلوس ،،وما خلوني أراجع الطبيب لأن فلوسي ما كفت ،،وهل تشوف رجعت لا علاج ولا صحة!! أخذ الركاب يتحدثون عن القرارات الجديدة القاضية باستيفاء أجور مراجعات المستشفيات الحكومية وهم يتذمرون ويلعنون .
الغريب في الأمر أن الحكومة التي وعدت الشعب بالكشف عن الفاسدين ومحاسبتهم وعبور الأزمة بسلام، قد نفذت وعودها ضد الفقراء وذوي الدخل المحدود من موظفين ومتقاعدين وغيرهم، تاركة حيتان الفساد تسرح وتمرح من دون رقيب أو حسيب.
الخدمات الصحية والطبية كفلتها كل دساتير العالم أن تُقَدَمَ للمواطن مجاناً ، وكذلك التعليم ، لأنها من أولويات حقوقه في العيش والحياة،،إلا إننا نجد أن الأزمة المالية والتقشف جاءا ضد المواطن ليسلبا أحقيته في الخدمات الصحية والطبية من خلال استيفاء الأجور على كل خطوة يقوم بها حتى زيارة المرضى ، ما سيتركه عرضة للأمراض التي ستفتك به وستنتشر الأوبئة في عموم البلاد. كذلك التعليم الذي يُعتبر الركيزة الأساسية في تطور البلدان وتقدمها، فإذا وضعنا حواجز ومعرقلات في طريق تعلم الفرد فستزيد نسبة الأمية والجهل وهذا بدوره سيؤدي إلى خراب وضياع البلد.
إذا كنا نحب وطننا ونشعر بالانتماء الحقيقي له علينا أن ننتبه جيداً لما يحصل ونحاول أن نسرع في حلحلة الأمور وإعادتها إلى جادة الصواب من خلال الإصلاحات الحقيقية ودرء الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين أكلوا الأخضر واليابس.. قبل أن تغرق السفينة بمن فيها ويذهب كل شيء أدراج الخراب .
أتمنى أن ننتبه ونكون إصلاحيين حقيقيين قبل أن تصير حتى التحية والكلام مقابل ثمن. وعندها سيدفع الفاسدون وغيرهم الثمن غالياً لأن الشعب لن يسكت على هذا أبداً رغم كل شيء!!