المنبرالحر

الواقع الاقتصادي في العراق بعد تراجع أسعار النفط وتداعياته! / صبحي مبارك

انكشف الواقع الاقتصادي العراقي وبقية الدول الريعية المعتمدة على سلعة النفط الخام، بعد انهيار أسعار النفط عالمياً، حيث تأثرت الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول المنتجة للنفط مما سبب أزمة مفتوحة وتداعيات سياسية واقتصادية ليس لها قرار، وبالتالي بدأت هذه الدول تبحث عن حل ومعالجات لا تأتي عن قرارات وطنية وإنما من تدخلات مباشرة دولية (مساهمات ومساعدات) ضمن عقد اتفاقيات تحمل صفة الهيمنة والشروط الجائرة (سياسية واقتصادية) وذلك لغرض إيقاف الانهيار الاقتصادي وبالتالي الانهيار السياسي.
يهمنا الآن الوضع الاقتصادي العراقي الذي يشغل تفكير الخبراء الاقتصاديين والمختصين العراقيين ويشغل السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة والبرلمان بعد أن وجد الجميع أنفسهم في زاوية مُحرجة لا يوجد من خلالها منفذ، كما إن الانهيار السريع للأسعار كشف الوهم الكبير الذي كانت تعيش فيه الحكومات المتعاقبة، حول التنمية والمشاريع الوهمية والنمو الاقتصادي وبُعد الخطط عن الواقع المرير الذي يعيشه العراق.
ومن خلال تصورات الخبراء والمختصين، سوف نلاحظ بأننا أمام كارثة حقيقية، كارثة اقتصادية وسياسية واجتماعية كما عبرّ عنها أحد الخبراء (الدكتور باسل البستاني في مقابلة تلفزيونية حوارية)، وكذلك عبر الدكتور مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي، عن تشاؤمه من الوضع الاقتصادي للعراق عام 2016 م. العراق منذُ التغيير السياسي في 2003 م وهو يعيش أزمات مستمرة اقتصادية وسياسية كانت تداعياتها على كافة المستويات الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية وبناء البنى التحتية، وتنفيذ المشاريع التنموية وغيرها بسبب رئيس، ويتمثل في عدم وجود استقرار أمني، ونشوب حروب طائفية محلية وأخيراً الحرب مع القاعدة وداعش وحلفائهما، تحت ضغط وضع أمني إقليمي وعربي ودولي خطر ومعقد والكارثة الأكبر هو اندماج الأحزاب السياسية المتنفذة والتي اعتمدت مشروع السفير بريمر المحاصصي الطائفي، في الدولة ومؤسساتها كما حصل في النظام الدكتاتوري السابق عندما اندمج حزب الدولة الشمولي وهو حزب البعث بالدولة ومؤسساتها وكذلك اندمج مع العشيرة والقبيلة وبالتالي أنتجت هذه الحالة من الفساد المتفشي (المالي والإداري ) في كل دوائر الدولة ومصادرة القرار الوطني الموحد.
لقد صممت الحكومة العراقية موازنة 2016 وهي تعلم بأن أسعار النفط في تراجع، على أساس 45$دولار للبرميل الواحد، ولكن بعد إقرار قانون الموازنة أصبح السعر 41 ثم 33، ثم 29 وأخيراً 21 $ وهو لم يتوقف في حين كان سعر البرميل 145$ في 2014م وبما إن الاعتماد على موارد النفط أساساً كما ذكر في قانون الموازنة بحدود 85 في المائة في حين أن الخبراء يؤكدون على 95 في المائة، على أساس إنتاج ثلاثة ملايين وستمائة ألف برميل يومياً فإن الخسائر تكون كبيرة، والعجز 29,4 تريليون دينار وهو عجز كبير على أساس استحصاله من القروض الدولية والعربية. ولكن ماذا وراء انخفاض أسعار النفط ؟ الجواب :1- حسب برنامج (التيسير الكمي )كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضخ طيلة أربع سنوات 85 مليار دولار شهرياً إلى الأسواق العالمية، ثم ّ قررت وقفاً تدريجياً لهذا البرنامج حسب القرار الفدرالي في تشرين الأول 2014م وبالنتيجة ارتفع سعر الدولار أمام العملات العالمية 2- طفرة النفط الصخري والغاز الصخري حيث زاد إنتاج النفط في الولايات المتحدة بمقدار الضعف ولم تستمر في شراء النفط بنفس المعدلات السابقة 3- الانكماش الاقتصادي من جراء ارتفاع سعر الدولار وزيادة عرض النفط أكثر من الطلب، 4- موقف دول الأوبك والأوابك برفض خفض الإنتاج 5- رفع العقوبات عن إيران بعد الاتفاق النووي والعودة إلى السوق كما يُضاف عامل ارتفاع قياس درجات الحرارة (تغير بيئي ) ما يقلل الاستهلاك، و عدم استمرار النمو الصناعي وزيادة الإنتاج النفطي.ولهذا نجد عوامل اقتصادية لهذا الانخفاض ولكن أيضاً توجد عوامل سياسية ومنها التحكم في الإرادة الوطنية وتأثر الحكومات المرتبطة بسياسات أجنبية من خلال التحالفات، وكذلك دور صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية بالتحكم في سياسات الدول من خلال شروط قاسية لأنها توفر القروض لتمشية موازنات الدول التي تعاني العجز المالي. فيما يخص العراق يعتبر الاقتصاد العراقي (اقتصادا ريعياً مشوهاً غير متوازن...) مهدي الحافظ في مقال نُشر في 30/12/2015. فالعراق غير متنوع في الإيرادات فهو ينتج سلعة طبيعية واحدة وهي النفط.
كما يلاحظ مهدي الحافظ بأنه لا توجد رؤية اقتصادية ولا سياسة اقتصادية وطنية تغطي العراق ككل، والخطط المعلنة لا تلزم الدولة بل مؤشرات نظرية لا تبشر بما هو مطلوب. العراق مُحمّل بأعباء الحرب على الإرهاب فضلاً عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية والممتدة منذُ عام 2008 م، والمتوقع إن (عجز الموازنة سيرتفع أكثر من 35 تريليون دينار لعام 2016 بدلاً من 29,4 تريليون...) سمير عباس البصري مقال (الأزمة المالية في العراق - التداعيات وسياسات الإصلاح المقترحة) ومن المؤشرات على ازدياد تداعيات تأزم الوضع المالي وقلة الموارد وعدم التنوع في العملية الإنتاجية هي :- ضعف الدولة وتفكك مؤسساتها، الفوضى وفقدان الأمن وعدم الاستقرار، انتشار الفساد وهدر المال العام ، التخلف الذي رافق سقوط النظام السابق، الغزو والاحتلال وضعف الحوكمة الاقتصادية.لم تعالج الحكومة ولا مجلس النواب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق، ولم يوضع برنامج لإصلاح الاقتصاد الوطني ولم تعمل الدوائر الاقتصادية والمالية في هذا الجانب بجديّة ولم تقدم عشرات بل مئات المؤتمرات الاقتصادية والمالية رؤية صحيحة لمعالجة الوضع، وها نحن أمام كارثة حقيقية من خلال استنزاف الواردات الوحيدة وهي عائدات النفط، فلا تفعيل للزراعة و الصناعة و لا لقطاع الإنتاج الوطني والملاحظ أن العائدات النفطية قد ضاعت بسبب السرقات والمشاريع الصورية والفساد د.باسل البستاني.
عندما يحصل موقف كهذا فإن الحكومات تعول على الضرائب وهي غير موجودة حالياً بسبب ضعف الرقابة والرشوة، لم تقترض الحكومة من الشعب بواسطة سندات مالية داخلية، وكما يقول الخبراء فأن أمام الحكومة طريق الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ولهذا فقد عقدت اتفاقية قرض 1,2 مليار دولار. وهنا يقول الخبير الاقتصادي الدكتور باسل البستاني أنه من خلال عمله في البنك الدولي كخبير لم يجد عقدا كهذا لإن البنك الدولي يعمل على استثمار طويل المدى والعمل على البنى التحتية أي دفع قروض طويلة الأمد خمس سنوات فما فوق وتدفع للمشاريع، أما في حالة العراق فكان القرض من البنك الدولي وفق شروط صندوق النقد الدولي ولمدة قصيرة، لإن الصندوق يعطي القرض وفق شروطه ومنها تطبيق العولمة من شروط أدائية وشروط عملياتية فالشروط الأدائية هي المساءلة، الشفافية، الانضباط القانوني، الأداء، الإنتاجية والعملياتية هي هيكلة الاقتصاد الوطني، الخصخصة، إطلاق حرية التجارة، تخفيض سعر العملة.(د. باسل البستاني ) والسؤال هل يستطيع العراق الإيفاء بالتزاماته خلال سنة ؟ أي تسديد القروض المشروطة فلا يعتقد ذلك ضمن المعطيات الاقتصادية.
بالطبع لدينا ثروة هائلة من النفط والغاز والكبريت والفسفور فاحتياطي نفط العراق حوالي 150 مليار برميل نفط ويعتبر عاشر دولة في مواقع الغاز في الخارطة العالمية للغاز، ولكن عندما يكون الاعتماد فقط على سلعة النفط المعرّضة لمضاربات السوق العالمية وتحت ضغوط سياسية ومن دون موارد أخرى، تكمن هنا المعضلة.
الواقع يشير إلى عدم تأهيل الزراعة ولا الصناعة ولا توجد منتجات وطنية يعتمد عليها العراق وبهذا نجد ان معظم السلع الاستهلاكية 90 في المائة منها مستوردة، البنى التحتية متدهورة، الخدمات من سيئ إلى أسوأ، البطالة بحدود 31 في المائة ولكن الحقيقي 50 في المائة، البيئة متدهورة، الموارد المائية منخفضة، المعاناة من الأمراض والأمية وسوء التعليم فضلاً عن الفساد والتدهور الأمني وكذلك ازدياد أعداد النازحين والمهجرين من المناطق الساخنة وسوء أوضاعهم الصحية والمعيشية والذين يقدر عددهم ب3,2مليون نازح، كما نجد ارتفاع نسبة الفقر إلى 25 في المائة
كيف يستطيع العراق مواجهة الوضع الاقتصادي للعام 2016؟
يرتبط الحل بين سياسي واقتصادي وبالدرجة الأولى بإجراء سلسلة من الإصلاحات والمتغيرات المطلوبة لغرض إنقاذ الوضع من التدهور وعلى رأسها :-
1- كشف الفساد ومحاربته وتحميل الجميع المسؤولية ومساءلتهم وإحالتهم إلى المحاكم والقضاء العادل.
2- تأهيل البنى الاقتصادية والقاعدة المادية للإنتاج وتشجيع القطاع الخاص.
3- وضع خطط علمية وطنية للاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على النفط تدريجياً
4- تقليل النفقات التشغيلية والاهتمام بالنفقات الاستثمارية
5- فرض الضرائب على رؤوس الأموال الكبيرة بنسب تصاعدية وشمول جميع النشاطات الوطنية بالضرائب.
6- وضع خطة لعمليات الإصلاح المصرفي الحكومي والأهلي
7- ضرورة التنسيق بين البنك المركزي والحكومة في تنفيذ الخطط وتقديم الدعم من الاحتياطي مضمونة الاسترجاع.
8- القضاء على البطالة بفتح مشاريع إنتاجية 9- مراقبة مشددة مالية وإدارية على أبواب الصرف 10- طرح سندات داخلية لغرض الإقراض الداخلي.
فيما يخص الأوضاع السياسية :- الملاحظ بأن الدول التي تتدخل في شؤون العراق، تنتظر انهيارا اقتصاديا وإفلاس الدولة التي ستكون غارقة بالديون فعندما تحصل أجواء اقتصادية كارثية وانهيار مؤسسات الدولة فالمتوقع أن هناك عملاً كبيراً تساهم فيه دول إقليمية ودولية من أجل فرض نظام شمولي جديد مستعد لتنفيذ خطط التقسيم وكسر الأواصر الوطنية ولهذا من الضروري نبذ سياسة المحاصصة الطائفية والإثنية ووضع سياسة وطنية تؤمن بالهوية الوطنية والتوجه نحو بناء الدولة المدنية. العمل على إنجاز المصالحة الوطنية، عدم السماح لعمل الأحزاب حسب الو لاءات، العمل على تعديل الدستور أو إعادة كتابته وتخليصه من المواد الطائفية والمذهبية والدينية.
إن الجهد المطلوب كبير ويحتاج إلى حكومة تتمتع بثقة الشعب وتعتمد على الكفاءات العراقية من خبراء ومتخصصين معروفين ولهم خدمات وطنية مثمرة، فلابد أن تطرح الحالة أمام الجميع (الحكومة والشعب ومؤسساته الدستورية).