المنبرالحر

يوم لا ينفع جيش ولاحرس شخصي! / زهير كاظم عبود

تجارب الشعوب ومواقفها تجاه حكامها ميزان لمعرفة النتائج، وتلك التجارب دلت بما لايقبل الشك أن الحاكم يمكن له ان يبطش ويمد سلطانه ويظلم وهو يدعي العدل، ويغيب عن مهمته ومركزه القانوني، وتغيب مصلحة الناس ومطالبهم عنه ويتوهم انه ينجز ، بل ويتم تغييب كل الحقائق عنه، بحكم قصور رؤاه، وبحكم الدائرة المغلقة التي تحيط به، ويمكن له ان ينشر الرعب ويسلك طرائق وفق خطط معدة لتغييب العقل ، يمكن له ان يعتمد القسوة والحيلة ، ويمكن له ان يعتمد التفريق ونشر الخلافات بين الناس، ويمكن له ان يعلن الوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية، وان يبني مستقبلا على صفحات من الرمال، وكما يمكن له ان يطلب تحديد فترة زمنية لإصلاح الحال ثم يحنث عن يمينه ووعوده ، غير ان كل هذا لن يغيب عن بال الشعب. والشعب كما يقول الدستور مصدر السلطات، وصندوق الانتخابات هو الفيصل الحكم في الاختيار، غير ان الحاكم يبقى مسؤولا عن كل واردة وشاردة، وصغيرة وكبيرة، ومسؤولا عن مركزه القانوني وان كان اختياره من قبل الشعب، وحين تشعر الناس انه بدأ يبتعد عنهم، ويتنكر لمطالبهم، وحين تشعر الناس أنه بدأ يتحوط منهم بدائرة مغلقة وحرس شخصي، وحين تشعر الناس انه بدأ ينتشي للهتافات الكاذبة والأناشيد التي تمجد شخصه، وحين تشعر الناس أن النفاق حل سيد الموقف، وحين تشعر الناس أن الوظيفة العامة والمركز القانوني صار لغير الذي يستحقه، وحين يعتقد الحاكم انه القائد الملهم وقائد المرحلة التي لاتليق لغيره، وانه القائد الضرورة، يحل الصبر في أول بادرة للترقب، ويبقى الأمل أن يعود الحاكم الى وعيه، ويدرك المسافة التي تفصله عن الناس، ويبقى الأمل في ان يعود لطبيعته الإنسانية، ويلغي الفواصل والحواجز التي تفصله عن هموم الناس، ولعله يسعى الى احلال العدل بديلا عن الظلم الذي بدأ ينتشر ويسري بين الناس، وحين يصدق هتافات المطبلين في كل زمان يحل الصبر لعل الحاكم يدرك ماقاله الراحل الوائلي:
لاتطربن لطبلها فطبولها كانت لغيرك قبل ذلك تقرع
والحكم مسؤولية ليس فقط سياسية انما يعني الحكمة والقضاء وهو من الاحكام ، كما ان السلطة تعني التحكم والسيطرة، وهذه السيطرة يفترض انها ممنوحة من قبل الناس لغرض خدمتها وليس لغرض التسلط وتحقيق النوازع والرغبات الشخصية، والسلطة تعني تحقيق ماتحلم به الناس وتريده بقدر ما تسمح به الظروف وليس تحقيق المآرب الشخصية ورضا الأقرباء والمجموعة التي ينتمي اليها الحاكم عشائريا او سياسيا او دينيا او مذهبيا، والسلطة تعني ايضا القوة المنظمة التي يخضع لها المجتمع بإرادته وفقا للقواعد القانونية وصولا الى مفهوم دولة القانون .
كما تعني المنظومة المتكاملة التي تسعى لتحقيق طموح المواطن من خلال نظام اجتماعي وديمقراطي يعتمد المساواة والتداول السلمي للسلطة وفقا للدستور .
ولعل الحاكم يدرك ان أوامره تنعكس فعليا على القوة العسكرية التي تخدم الحاكم في عراقنا، وتسعى لتمجيده الشخصي ويصل التمجيد على شكل اغان وأناشيد وهتافات ورقصات وكتابات وبالدم وبالروح تفدي الحاكم، وكل فعل خارج عن القانون ومخالف للدستور تتم ممارسته من قبل ايه قوة ضد الناس يتحملها الحاكم ويكون مسؤولا عنها مسؤولية كاملة، وكل جريمة ترتكب خطأ او عن عمد ترتكبها القوات الأمنية أو الحراسات الشخصية او القوات المسلحة مسؤول عنها الحاكم ليس فقط امام الله سبحانه وتعالى ، انما امام الشعب.
وحين يبدأ الصبر ينفد تبدأ مرحلة التبريرات والأعذار التي يمكن ان تحتل مرحلة زمنية فيتم تشتيت الأصوات، وتضعف قوة الشعب، وتفرق بين مطالب الجماعة، وحين تنتهي هذه المرحلة يكون قد بلغ السيل الزبا، وتعمق الشق والشرخ بين الحاكم والمحكوم، وحيث تناسى الحاكم قيمة الشعب وصوته، وحين يستخف الحاكم بالشعب، وحين يكتشف الناس كذبه ودجله وتزويره للحقائق وتستره على الشركاء وسراق المال العام وتحالفه مع اعداء العراق، وحين يفشل في مهمته ويفقد ثقة الناس، حينها لاتنفعه القوات المسلحة ولا الحرس الشخصي، وتتفرق عنه الدائرة التي تحيطه وتغلق عليه رؤيته للبصيرة وتعمي عقله وضميره، وحينها لا تعد قيمة لقراراته وأوامره، ولن ينفعه استمرار التطبيل والتهريج، حينها لم يعد عنده رأسمال يمكن له ان يستند عليه.
حينها يكون صوت الشعب عاليا وهادرا، ستنقلب الهتافات والمطالبات ضده، وستلعنه الناس ولن تعد له قيمة أو قوة أو حصانة، وسيحل اليوم الذي ماكان في باله بعد ان اطربته الهتافات والمديح والتزويق، سيحل اليوم الذي لن يجد سوى لعنة الزمن لن تنفعه ما كان يدخره لليوم الاسود حيث سيعيش منكفئاً ومنعزلاً ويتعمد الاختفاء والاختباء عن الناس، يوم لاينفع جيش ولاحرس شخصي ولا دائرة من المزوقين والمزورين ، سيخسر نفسه قبل ان يخسر الناس والزمن.