المنبرالحر

" احذروا... افكار مأزومة / جاسم الحلفي

لا يمكن لمنهج المقارنة ان يستقيم بدون معرفة العوامل التي تؤثر في دراسة الظواهر والأحداث السياسية والاجتماعية، بالاعتماد على مجموعة من الخطوات المحددة بالزمان والمكان، وبالاستناد على دراسة مختلف أوجه التشابه والاختلاف بين متغيرات عديدة. ولا يمكن ان ترتكز المقارنة على دراسة متغير واحد من عدة متغيرات ، كما لا يجوز مقارنة ما لا يقارن. لذا لا يمكن ان تصح النتائج التي تمخض عنها الحراك السياسي الاجتماعي في مصر، وإسقاطها قسرا على الوضع في العراق.
ان الاستفادة من التجربة المصرية، تتطلب تجنب السطحية في التفكير، والابتعاد عن تعميم النتائج ذات الطابع الخاص. وهذا لا يعني على الاطلاق ان الظواهر السياسية والاجتماعية، تبقى حبيسة الخصوصية، بل يمكن الاسترشاد بها والاستفادة منها. فهناك نتائج عامة تؤثر على الاوضاع في العراق، بهذا الشكل او ذاك. غير أنه و في كل الاحول لا يمكن استنساخ التجارب. فلكل بلد خصوصياته، ومنها اختلاف وتباين درجات الصراع السياسي والاجتماعي وحدته.
تنطلق بين الحين والآخر، افكار تحمل مخاطر جدية، منها على سبيل المثال، انتظار «السيسي» العراقي حتى يؤدي دوره في خلاصنا من هذا الوقع الخطير. وهناك من يضيق صدره ويكيل التهم للشعب العراقي بدعوى نكوصه عن الانتفاض كما فعلها الشعب المصري. وهناك من يحمل القوى السياسية الديمقراطية والمجتمع المدني فوق ما يحتمل، فيما يطرح ايتام النظام الدكتاتوري السابق فكرة اسقاط العملية السياسية، متخذين من فشل السلطة بأدارة البلاد ذريعة أساسية لهذا الطرح الخطير. تقابلها فكرة اعلان حالة الطوارئ التي يروج لها بهمس البعض القريب من هوى السلطة، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وكأن يد القوات المسلحة اليوم مغلولة عن القيام بذلك.
تأتي هذه الافكار ضمن منطق مأزوم، كأحد تجليات الازمة السياسية العامة وتداعياتها على مجمل الأوضاع، وكأحد نتائج العجز الفكري والسياسي عن إيجاد حلول ناجعة لإخراج البلاد من ازمة نظام الحكم الذي بني على المحاصصة الطائفية، عبر اصلاح العملية السياسية وتغيير اساس بنائها باتجاه دولة المواطنة. وهذا يتم من خلال تمثيل حاملي مشروع الدولة المدنية الديمقراطية في مجلس النواب المقبل، انهم تمكنوا من تشكيل تحالفهم المدني الديمقراطي، ونجحوا في ضم القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية في اوسع اطار ممكن. كما ان فشل الحكومة الذريع على جميع الأصعدة، لا ينبغي ان يجعل البعض يترحم على النظام الدكتاتوري المباد. فالاستبداد لا يشكل بديلا عن هذا الخراب الذي نعيشه، وارث الدكتاتورية البغيض هو احد اسباب هذا الوضع، اما البديل المطلوب فهو الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطن الحر.
ان اشاعة حالة الاحباط والتشاؤم والعجز ومشاعر اللاجدوى والانتظار السلبي، تفسح في المجال للافكار الخطيرة، كفكرة اعلان حالة الطوارئ، وفكرة اسقاط العملية السياسية، اللتين تتوحدان على مدخل تعليق الدستور، وان انطلقتا من موقعين متضادين، باعتبار الاولى تريد ابقاء السلطة والثانية تريد إسقاطها. والدستور بالنسبة لنا كقوى مدنية ديمقراطية ورغم عيوبه المشخصة من قبلنا، يشكل بابه الثاني، حيث الحقوق والحريات، ظهيراً لنا.
ولك ولنا ان نتصور كيف ستكون الامور لو تم تعليق العمل بالدستور! فعلى اي وثيقة سنستند في دفاعنا عن الحريات العامة والحقوق والضمانات ألاجتماعية؟