الحقيقة التالية مُفرحة فعلاً: إن أي أرض استعادتها القوات الأمنية العراقية من قبضة إرهابيي داعش لم تسقط مرّة ثانية في براثنهم ولم يتمكن الارهاب من السيطرة عليها مجددأً.

هذا يعني أن ما تشتريه الدماء الوطنية لا يمكن أن يُباع ثانية.

تنظيم داعش لم يترك هذه الأراضي المُحررة طواعية، إنما اجبرته تضحيات القوّات العراقية بكل صنوفها واستبسالها على أن يتراجع. ومع هذا حاول الإرهابيون مراراً وتكراراً الهجوم على مناطق محررة لكن هجماتهم لم تفلح.

استخدموا نفس الأسلوب، لا جديد فيه. عربة يقودها مخلوق إنتحاري يتمّ تدريعها بقوّة وتحمّل بالمتفجّرات لتهاجم الساتر الأمامي للقوّات الأمنية بغية فتح ثغرة وبعدها تهجم قطعان أخرى من الإرهابيين لتخترق الخطوط الأمنية العراقية.

ومنذ فترة غير قصيرة لم تعد هذه الحيلة تنفع، تمكّن المقاتلون العراقيون من تطوير مهارات التصدي واستخدام صواريخ ميدانية قصيرة المدى أسهمت في تعطيل أخطر أسلحة داعش، ونعني الانتحاريين.

من ناحية أخرى، أظهر التنظيم حقيقة جليّة، كونه لا يأبه ولا يكترث للخسائر التي تلحق بالمدنيين المُحتجزين في الأماكن التي يسيطر عليها. والاحتجاز الأخير لعدد من شباب الفلوجة و التهديد بقتلهم واستخدام عوائلهم كدروع بشرية، خير دليل على هذا.

لكن مع كل ذلك، تبقى الأرض وسيلة وليست غاية بحد ذاتها. وكم قيل أن المكان من المكين. والأهم هو الإنسان قبل الأمتار والكيلومترات. ليس معنى هذا أن الأرض لا قيمة لها، لكن قيمتها تأتي أولاً من إعمارها وتحقيق أمل السلام فيها لمعيشة الناس.

الفرصة الآن تنبع من التزام أخلاقي لقيمة التضحيات التي دُفعت من اجل حيازة الارض.

الفرصة الآن سانحة جداً للبدء في تعمير الاراضي المحررة وفقاً لنوايا جديدة واسلوب معيشة مبنى على تقبّل الآخر وإبعاد المفسدين الذين حتمأً كانوا يرون في الطائفية حصناً لهم.

عدد كبير من الدول الأجنبية راغبة في إعانة العراق في هذا الإتجاه. وعلى العراق أن ينتهز هذه الفرصة لتدويل إعمار المناطق المحررة وليس أحسن منها فرصة.

لكن على الإرادات أن تكون واضحة في خططها للإعمار. وأن تبتعد عن الطرق البيروقراطية الكلاسيكية التي أدّت الى تضخّم أفواه الفساد.

لو كان هذا الأمر ممكنا فإن السلام طويل الأمد سيكون ممكناً أيضاً. وسنندهش كيف ان السلام والسلم المجتمعي لهما القابلية والقدرة على تحقيق معجزات في مجال الإعمار والإستثمار. فقط لو خلُصت النوايا...

هل هذه صعبة برأيكم؟