المنبرالحر

من سجل الامهات / عريان السيد خلف

كانت تفترش الارض مثل باقي النساء اللواتي يبكرن الى بوابة سجن الموقف العام، ويرابطن امام بوابته الكبيرة من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل، خوفاً ان ينقلوا ابناءهن او ازواجهن او اخوتهن الى مكان آخر او سجن آخر دون علمهن. ولذلك مارسن هذه الخفارة الذاتية من المراقبة.
ام هاشم العلوية كانت واحدة من اولئك الامهات، فقد اعتقل ابنها خلف قضبان وابواب ذلك الموقف الرهيب، وهذا جعلها تداوم يومياً على الجلوس امام ابوابه مع الاخريات. كانت العلوية شاعرة وذات صوت شجي وهي تنعى للنساء اللواتي يتواصل عويلهن عندما تبدأ النعي.. جاء الى ولدها احد شرطة الحراسة المكلفة بالباب الرئيس ونادى باسمه من فتحة الباب الحديدية للقلعة، فوصل اليه الخبر من خلال زملائه: انه الرفيق چخيم، وكان هذا اسم الشرطي الذي كان يتودد للسجناء. وعندما جاء الى فتحة الباب قال له الشرطي: لقد دمرتنا امك بنواعيها وكانت دموعه ظاهرة على خده. وقال: كنت اراقبها ووجدتها لا تأكل شيئاً. خفت ان تكون بلا نقود فدنوت منها وقلت لها يا خالة هل اجلب لك لفة؟ لاني راقبتك منذ الصباح وانت لم تأكلي شيئاً. فنظرت إلي وقالت:
آكل حمس واشرب إنهيمه
على الحابسينه بلا تهيمه
وراح الشرطي يبكي ويقول لابنها: ارجوك اكتب لها ورقة ان تأكل او تذهب الى البيت وترتاح. وفعل ما اشار به الرفيق چخيم وكتب لها: اذهبي يا والدة الى البيت وسيخبرك الرفيق چخيم عن مكاني في حالة نقلي.
اخذ چخيم الورقة ثم عاد بعد فترة ونادى عليه وناوله علبة السكائر الفارغة مكتوب عليها:
لو ينلعب بالكون جوله
لا تعترف وتكول ذوله
همه العبد
وانتم المولى
بعد ان قرأ ابن العلوية الورقة قال لچخيم: قل لها ان تطمئن، فنحن كما عهدتنا باقون على العهد.