المنبرالحر

من يوميات منتفص.. الجزء السابع.. انتفاصة امرأه وسط ..البصره / ليث عبد الغني

عادة ماتكون البصره تتمتع باجمل اجوائها في مثل هذا الشهر ..ولكن اذار هذا العام (1991)كان مختلفا ..رطوبة الجو الخانقة ..سحب سوداء حولت نهار البصره ليل، فآبار الكويت المحترقة مصدر هذه السحب الخانقة التي اضافت هماً وثقلاً جديداً على صدور البصريين الذين آلمهم وادمى قلوبهم منظر جنود الجيش العراقي ..مهزومين ..مذلولين ..متعبين ..فالبصرة اول مدينة عراقية يدخلها الهاربون من جحيم عاصفة الصحراء ..وسط الدخان ..وانكسار الجنود ..ووقع خطواتهم التي اتعبتها مسيرة الانسحاب المذل ..كانت هناك ام علي ..أمراة بصرية لم تحتمل كل الذي تراه ..اسندت ظهرها على قاعدة تمثال السياب ..وبدأت بالصراخ ...مرة تلعن صدام وقيادته ورعونته ..ومرة تستوقف الجنود ..ابناءها ..تعاتبهم ..تستفز نخوتهم ..تحول هزيمتهم الى حيث المواجهة ...المواجهة مع من كان السبب بكل هذا الذل والخيبات ..ام علي استوقفت ضابطا يحمل رتبة كبيرةعلى متنه الكثير من النجوم اضافة لنسر اصفر ..الضابط كان يسير وسط جنوده متجهين الى زوارق صغيره تنقلهم الى الضفه الاخرى ..التنومة وبساتينها حيث الامان ..
. تقترب الإمرأة من الضابط وتقول له وهي حزينة مكسورة يرتعش جسدها غضباً من تحت عباءتها : لماذا ساكتين الى هذا الحد،لماذا قبلتم الهزيمة في الحرب ، يا رجال جيشنا المكسور هل ستبقون ساكتين على صدام واعماله الرعناء؟ لقد مارس معنا كل انواع التعذيب من قتل واعتقالات واعدامات وحروب خاسرة ودمار لبلدنا وأنتم ساكتين، اين أنتم يا رجال العراق الأحرار؟
كان يروي لي صديقي ابو مازن الذي كان بالقرب من تلك المرأة البطلة وهو يشعر بالمفاجأة والفخر لما يسمعه وهو يشعر بالحيرة أيضاُ عن ماذا يفعل وماذا يقول لهذه المرأة البطلة..
صديقي يروي الحادثة التي علقت بباله ويقول ،كنت أشاهد المنظر المؤلم لعلي أتعرف على احد الجنود لكي اقوم له بحسن الضيافة في بيتي. كان يشعر في داخله غضب يكاد ان ينفجر من ما يسمعه من خطاب المرأة.
قال لي ايضاً انها كانت تتحدث بمرارة كأي إمراة اخرى في بغداد أو الحلة او الناصرية او أي مكان اخر وهن يبكين ألما على العراق. إن صدمة الإنكسار لم يكن حدثاً عابراً على العراقيين.
في مشهد اخر في البصرة رواه لي صديقي علي البصري انه كان يجلس في حافلة صغيرة لنقل للركاب تقلهم الى منطقة العشار وهم يشاهدون من خلال نوافذ السيارة جنود قادمين من جبهات القتال وهم حفاة ومكسورين، قال احد الركاب كبير في السن :مع الاسف على جيشنا ، فردت عليه إمراة بالاربعين من عمرها وهي تصرخ بصوت عالٍ يسمعها جميع الركاب " لو يخجل صدام كان ما بقى بالحكم ساعة واحدة خلي يجي ويشوف شنو سوة بالجيش" . كان اهل البصرة كحالهم من اهل المدن العراقية الاخرى ينتظرون ساعة الصفر فالاجواء مهيئة في البصرة الى انطلاقة ثورة، وما يؤكده ان اهل الكزيزة وسط البصرة كانوا يهجمون في الليل على المنظمات القريبة في مناطقهم. فيحرروها ويعود البعثيون يسطرون عليها في النهار.
فجاء يوم السبت المصادف 2 من آذار والموافق 15 من شعبان لتنطلق فيه اكبرانتفاضة شهدتها البصرة بعد أن كان لقضائي سوق الشيوخ وقضاء الحي السبق الاول في انطلاق انتفاضتهم .
وكأي مدينة اخرى تخاطرت البصرة مع المدن التابعة للمحافظات التي تحيط بهور الحمار.
وفعلا صرخات تلك الحرة البصرية وجدت صداها في صدور شباب الحيانية لينتخي شبابها ويعلنوا في صبيحة الجمعة وفي تمام السادسة صباحا اطﻻق شرارة انتفاضة البصرة وتحطيم اسطوره اسمها ...صدام.