المنبرالحر

من يوميات منتفض.. ما قبل انطلاق انتفاضة الناصرية / ليث عبد الغني

الجزء التاسع
السبت المصادف 2 ذار المواق 15 شعبان 1991
كان يوماُ ربيعياً مشمساً وصافياً، لا تشوب زرقة السماء فيه أي دخان اسود قادم من آبار الكويت التي كانت تحترق. فالبصرة قد انطلقت انتفاضتها في الساعة السادسة من صباح هذا اليوم وهي انتفاضة مسلحة بسبب اطلاق النار من قبل البعثيين المتحصنين في منظماتهم الحزبية، وإن مبدأ الأنتفاضة الذي لا يقاوم يعفى عنه. المدن الاخرى التي تحيط بهور الحمار تخاطرت فأنطلقت انتفاضة اخرى كانت سلمية بيضاء بسبب عودة البعثيين الى منازلهم وتسليم مقرات الحزب الى الشعب دون مقاومة تذكر، وكان هذا الحدث في مدينة (المديّنة) الواقعة على ضفاف الهور بأتجاه البصرة. اما هناك في الضفة الاخرى من الهور فمدن ذي قار بعضها يحتفل بالتحرير منذ الليلة الماضية وبعضها يتهيئ لأنطلاق الثورة وخاصة مركز مدينة الناصرية التي انتظرشعبها أن يأتيهم ثوار الهور ليساندوهم ، وذلك في اليوم الماضي وهو الجمعة 1 اذار، لكن القوات الأمريكية منعتهم من الدخول من جهة جنوب الناصرية التي كانوا يحتلوها آنذاك فتأخر انطلاقها.
صباح السبت 2 من اذار كانت منظمات حزب البعث الحاكم في جميع مدن المحافظة يعلمون بالأمر ،لذلك أعتقلوا المئات من الرجال المدنيين من كافة مدن المحافظة الى الجيش الشعبي بحجة مقاتلة انزال لقوات امريكية على احدى مناطق الناصرية، لكن الحقيقة هي حجزهم في مقر فرع الحزب في المحافظة وتجهيزهم بالسلاح استعداداً لقمع الانتفاضة.
الساعة تقترب من الحادية عشرة صباحاً وهدوء يسبق الثورة. فالظروف كانت مهيأة تماماً في الناصرية، واستيقظ اهلها ذلك اليوم مبكرين للأستعداد للمشاركة بالإنتفاضة.
اما في مدينتي الشطرة وهي اكبر مدن المحافظة بعد الناصرية والتي تقع شمال المحافظة فهي الاخرى تغص شوارعها بالناس الذين ينتظرون ساعة الصفر. فإسم محافظ ذي قار وظلمه يتردد على السنة الناس كلها.
اتذكر ذات يوم ان احد ضباط المخابرات الذين كانوا يترددون الى وحدتنا للحسابات سألني عن قصة مسجد السنة الذي ترتفع منارته في وسط مدينة الشطرة، مدعياَ أن اهل الشطرة استولوا على مساحة من المسجد فبقيت المأذنة خارج الشارع.
كنت اعرف ان جزء من مساحة المسجد قطعت وذلك لأسباب فتح شارع مجاور للمسجد وليس لأسباب طائفية حسب ما كان الضابط يرويها، فسألت الضابط وقتها من اين لك هذه الرواية الخاطئة فأجابني سمعتها من المحافظ الذي يقول ان هذه الرواية تتردد على السنة اهل الفلوجة مسقط رأسه ثم قال اننا نلتقي جميعاً في مسجد السنة وسط الناصرية ونتسامر ونتبادل بيننا الكثير من القصص كل يوم.
كنت اشعر بالامتعاض من سلوك المحافظ الطائفي الشديد ورواياته الطائفية الكاذبة والحجج التي يختلقها من اجل ايذاء اهل الناصرية، وهذا السبب هو الذي جعل اهل الناصرية ان يحددون هدفهم الاول هو اعتقال المحافظ والتحقيق معه بكل الجرائم التي ارتكبها بحقهم. إنها مدينة ظلمت ظلماً كبيراً منه وابنه الذي استهتر بمقدرات المحافظة الاقتصادية.
روى لي صديقي جواد ابو شحيمة الذي يقع بيتهم مقابل مبنى فرع ذي قار لحزب البعث الحاكم وهو اعلى سلطة حزبية في المحافظة، ان المحافظ كان يوم السبت وهو يوم انطلاق الانتفاضة مختبأً في ذلك المقر وكان قد أمر جميع البعثيين أن يتسلحوا مع تجهيز اكثر من خمس مائة مدني لكي يدافع عنه في حالة انطلاق الانتفاضة.
روى لي ايضاً صديقي جواد انه كان في شارع الحبوبي منذ الصباح الباكر حتى الساعة الحادية عشر قبل الظهر حيث المدينة كانت هادئة والناس تترقب بتلهف انطلاق ساعة الصفر، ثم قرر العودة الى البيت لقضاء أمر ما ، لكن بعد حوالي نص ساعة سمع اطلاق نار كثيف قرب دارهم صادر باتجاه مقر الحزب المجاور للبيت فتيقن ان الانتفاضة في الناصرية قد أنطلقت..
المجد للعراق.. وطننا، و لأهله ..شعبنا.