المنبرالحر

لا إصلاح ولا تغيير من دون الحراك الجماهيري / مرتضى عبد الحميد

من أمثلة التاريخ الاكثر شهرة على استهتار الحاكم بشعبه وابناء جلدته وانشغاله في أمور تدلل على ضحالة العقل وفساد الضمير، ما قام به مجلس أعيان وحكماء مدينة طروادة، حين كانوا يناقشون مسألة في غاية الخطورة من وجهة نظرهم: هل ان الملائكة ذكور ام اناث؟ في الوقت الذي كانت فيه جيوش الاعداء تطرق ابواب المدينة لاحتلالها وقتل رجالها وسبي نسائها، وبالتالي تدميرها وتحويلها الى خرائب تنعب فيها الغربان!
يبدو ان بعض الكتل المتنفذة، ومن في يدهم الحل والربط في عراقنا الجريح لا يختلفون كثيراً عن مجلس طروادة، فقضية الاصلاح والتغيير الوزاري باعتباره فاتحة خير لعملية الاصلاح، إن جرى تطبيقه بشكل سليم وبما يضمن مصلحة الشعب العراقي، وخاصة من الكادحين وذوي الدخل المحدود، تحولت الى ما يشبه الحزورة ! فالكل يضع شروطاً واملاءات لا تعني في المطاف الاخير، سوى السعي إلى افشال عملية الاصلاح من اساسها، والعودة الى المربع الاول، مربع المحاصصة والطائفية السياسية رغم ذمّها والتبرؤ منها إعلامياً.
ان المشكلة الحقيقية تكمن في خواء العقل السياسي العراقي المتصدي لقيادة عملية التغيير الديمقراطي والعملية السياسية بقضها وقضيضها، لأن نمط التفكير الذي يقرره هذا العقل، لا يفعل شيئاً غير التشبث وبإصرار مرضي بأساليب وآليات عمل وقيادة عفا عليها الزمن. ومع الأسف الشديد لا يوجد بين هؤلاء القادة من هو قادر على رؤية الالتماعات والارهاصات التي تدق ابواب المشهد السياسي العراقي في الوقت الراهن، بقوة ووضوح لا يمكن ان يغفلها إلا من اصيب بالصمم والعمى السياسي، كما هو حال اغلب حكامنا وقادة دولتنا.
لا شك ان غالبية الناس بدأت تدرك، وبعضها بعمق، ان احوال البلد لا يمكن ان تظل كما هي من دون تغيير او اصلاح، خاصة بعد الحراك الجماهيري المنطلق منذ ثمانية اشهر. لكن الملفت للنظر والمحير حقاً ان العديد من المسؤولين في السلطات الثلاث، ورغم انتقالهم من حالة العدم او ما يقاربها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الى خانة اصحاب الحظوة من المليونيرية والمليارديرية الجدد، وإلى النجومية في الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى، وما يفرضه كل ذلك من حرص وان كان انانياً ومغرقاً في الذاتي، للحفاظ على امتيازاتهم وغنائمهم هذه، التي حصلوا عليها في غفلة من الزمن، وذلك من خلال الاستجابة للمزاج الجماهيري المطالب بقوة الآن في تحقيق اصلاحات جدية، ليس على صعيد الوزارة وحسب، رغم اهميتها، وانما في كامل النظام السياسي- الاجتماعي، نراهم متمسكين بالنهج البائس ذاته وبالعقلية التدميرية ذاتها، متناسين تجارب التاريخ وقوانين الحياة التي ستجعل منهم مجرد ارقام تضاف الى من سبقهم من عتاة وطغاة، تجاهلوا مصالح شعوبهم ومرغوا كرامتها في الوحل.
الحراك الجماهيري سوف لن يخبو اواره كما يحلمون، لأن اسبابه الموضوعية ما زالت قائمة، بل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وها هي الاضافات النوعية تترى تباعاً متمثلة الآن في التيار الصدري وفي الحراك الطلابي، وستتبعها بقية الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من النهج التدميري لحكام الصدفة، سيما وان الجميع بات يدرك ان لا إصلاح ولا تغيير من دون هذا الحراك المبارك.