المنبرالحر

صيّاد لا يتعلم من درسه / قيس قاسم العجرش

اللفظ والكلمة صارتا مثاراً لتقزز الناس ومصدراً لسخطهم. «تكنوقراط». السبب الأول أن أوان ظهورها يذكرهم بأن الطبقة السياسية دأبت على وضعهم في متاهة من الأحاجي اللفظية في كل»عركة سياسية». ولدينا من الأمثلة العشرات، ويتذكر الناس حين انتقلنا من حكومة» الشراكة» الوطنية الى»المشاركة» الوطنية! والتي لا أعرف حقاً التمييز بين معنييها. ويتذكر الناس أيضاً تركيز رئيس الوزراء على التغيير»الجوهري» وليس «الشامل»، ما الفرق ؟ لا أعرف أيضاً. وثاني الأسباب أن هذه البدع اللفظية مدعاة لصرف الأنظار عن العلّة الأساسية، ألا وهي «الفساد السياسي».
في الحقيقة لا يوجد دليل على أن»الفساد» في العراق هو أعلى بمعدلاته من باقي الدول والمجتمعات. «الفساد» بمعناه المجرّد السائد ونعني به « جريمة منظمة، تجارة غير مشروعة، تهرّب ضريبي، تجارة بالبشر، تعاطي مخدرات، إستغلال الأطفال والنساء..الخ»، كل هذه مفاسد موجودة في مجتمعنا مثلما هي موجودة في باقي المجتمعات. ولم نلحظ أي دليل على أنها متوفرة عراقياً أكثر من ظهورها في المجتمعات المجاورة. لكن العيار يزداد والمؤشرات تتصاعد ما إن يرتبط وصف فساد ما بخيط سياسي. وعليه وجب أن نكون دقيقين حين نهاجم الفساد بأننا نعني به الفساد السياسي تحديدأً. الفساد المرتبط بتشويه العمل السياسي والإنحراف به. الفساد الذي يقوم عليه السياسيون بأنفسهم أو عبر أذرعهم الفاسدة التي يعلمها الجميع.
وصاحب المسؤولية هنا هو بالتحديد صيّاد عنيد ومستغلّ مزمن للفساد بلبوس السياسي. وليس مناسبة» التكنوقراط» إلا فرصة كي يقفز من نافذتها ويحط ببراثنه الفاسدة ليفسد المصطلح ويفسد رأي الجمهور معه. وإلا لنقف للحظة بسيطة: كيف يتحوّل مُرشّح سياسي شارك في الإنتخابات ولم يحصل على شيء يذكر الى»تكنوقراط»، ويتنطّع بالشهادات التي تشهد له بالخبرة ويريد أن يسوّق القصّة على أنه مستقل لا علاقة له بكتلة بعينها؟
لو حدث أن فاز في الانتخابات عن الكتلة التي ترشّح فيها، هل كان سيدّعي الإستقلال أيضاً؟.
الفساد السياسي هو أبو العلل وهو أمّ الشر فيها.
بخدعكم هذه، قتلتم المواطنة. وبكذباتكم التي لا تنتهي، سرقتم الموازنات والفرص التي أتيحت للعراق أن يبني تقدّمه بها. وقفتم تتفرجون على شباب العراق وهم يهربون من جحيم العدم والفرص المقتولة الى مجاهيل الهجرة. وتريدون اليوم أن تقنعونا بغلاف البلاستيك الذي تحيطون به وجوهكم القديمة كي تبدو جديدة..
لن يصدقكم أحد، إبحثوا عن كذبة أخرى!