المنبرالحر

جِسْرُ الْلاعَوْدَة ! / يوسف أبو الفوز

في الايام القليلة الماضية لم يثر صديقي الصدوق أَبُو سُكينة من حدث، أكثر من عبور المتظاهرين جسر الجمهورية بأتجاه المنطقة الخضراء. كان يشعر بالحزن والاسى، كون ضريبة العمر والصحة تبعده عن ان يكون أحد المتظاهرين. كان بين الحين والاخر يطلب من سُكينة اعادة تشغيل المشهد ،المنشور على مواقع الانترنيت، ويلوح بيده ويصرخ : لا والله وتاالله ما راح هدر اللي زرعناه، هاي الشبيبة، هاي الوجوه الطيبة، هي اللي راح تكتب لنا وجه التاريخ من جديد . هل تذكر .. ؟
ويلتفت لاقرب الجالسين اليه، ويروي احداثا ووقائع ما مرتبطة بمعركة جسر الشهداء :
جسر الشهداء ، وقبل احداث وثبة كانون 1948، كان أسمه جسر المأمون أو الجسر العتيق. وبعد ان عبرت الجماهير ومعهم الطلبة الشيوعيون، تتقدمهم نساء باسلات، وسجلوا صفحة مشرقة في التأريخ، ومرغوا وجه الاستعمار والحكومات العميلة بالتراب، تغير أسم الجسر !
كان جَلِيل مثل أَبُو سُكينة تماما، لا يمل من الحديث عن «الطلاب الشجعان، اصحاب القمصان البيض، الذين اقتحموا السماء». لكنه حاول ان يفلسف الامور ويحللها قليلا :
النظرية الماركسيّة أعتمدت على مقولات اجتماعية، بدأ بها كارل ماركّس بيانه الشيوعي في عام 1848 حين قال «ان تاريخ المجتمعات هو تاريخ صراع طبقات، صراع بين اولئك الذين يملكون وسائل الانتاج، وبالتالي يمتلكون السلطة السياسية والاجتماعية، وبين من لا يملك الا سواعد العمل» .. أن من عبروا الجسر، هم الذين لا يملكون، ولا يمكن لهم التراجع عن اهدافهم التي ناضلوا لاجلها كل هذه السنوات والشهور الطويلة !
رمقني أَبُو سُكينة بعين نصف مغمضة ، وقال مستفزا :
ـ ها يا كاتبنا .. أشو ساكت .. كل هذه السوالف ما تذكرك بشيء ؟
وكنت بالفعل سارحا مع الكثير من الوقائع المرتبطة بنضالات شعبنا العراقي وتجاربه، لكن حديث جَلِيل بالذات قادني لأتذكر فورا عبور يوليوس قيصر (ولد 100 ق.م ــ توفي 44 ق.م) في عام 49 ق .م نهر روبيكون في شمال ايطاليا واندلاع الحرب الأهلية التي انتصر فيها يوليوس قيصر، رغم تفوق خصومه بمعدل واحد الى ثلاثة. ورغم اختلاف التفاصيل والوقائع التأريخية في هذا الحدث التاريخي عما يحدث في بلادنا الان ، الا ان ما خطر على بالي هو انه بعد الهزيمة المنكرة لنبلاء روما واعضاء مجلس الشيوخ الروماني اصبح تعبير «عبور الروبيكون» في المفهوم السياسي يعني «وصول نقطة اللاعودة».
التفتُ الى أبي سُكينة وقلت له بحماس :
ــ التأريخ يخبرنا يا صاحبي أن الفقراء لا يملكون ما يخسرونه في مواجهة طغم الفساد، ومن هنا فان هذا العبور لن يقود الا لوصول افواج المحتجين الى نقطة اللاعودة ، وان التغيير لا بد ان يحصل، فالشعب العراقي يستحق حياة افضل، واعتقد ان جسر الجمهورية يستحق أسم «جسر اللاعودة» !