المنبرالحر

ليس هناك من خط أحمر / قيس قاسم العجرش

التظاهرة التي شهدها شارع المتنبي إنتصاراً للثقافة وتنوّعها وحقها بأن تعيش،هي تظاهرة تفضحُنا الف مرّة قبل أن تنقل إحتجاجنا.
نعم،أن ينبري جمعٌ أغلبه من الشباب والمثقفين يرفعون «لا»كبيرة بوجه من يرغب في توحيد ملابس الثقافة و تفصيلها على فهم أعوج هو أمرٌ كبير بكل المقاييس لكن يستوقفني دائماً من يقول إن (قضيّة)ما هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
ربما يكون لطيفاً لو استذكرنا كم كانت الخطوط الحُمر سهلة التخطي في العراق، حتى اشدها خطراً أو ما نتصور انه كذلك لم يفلت من الإستصغار والتجاوز بسهولة،لأننا بالأصل لا اتفاق لدينا على ما هو أحمر ويُمنع تخطّيه.
لقد حصل الإقتتال الداخلي بين العراقيين بعد أن كان خطاً أحمر وبعد أن سمعنا كل المنابر تقول كذلك ، كما اعتبرنا لسنوات أن الدستور خطاً أحمر لا يجوز كسره فإذا به يُهمل لمرّات عدّة،بل إن هناك قوى سياسية تمكنت وفقاً للدستور مما هي عليه و الآن تجاهر مثلاً بمعارضة مادّة دستورية مثل المادة 140 فقط لأنها فهمتها في لحظة غرائبية على شكل مقايضةٍ سياسية.
كان الجميع يعدُّ(أو يتصور)المرجعية الدينية،على سبيل المثال،خطاً أحمر لها اعتبارها القيمي والإعتباري فإذا بها تـُهان علانية كما حصل في شهر محرّم الماضي من قبل(رادود)مشهور جداً فـتفوق المزاج الشعبي المُجتزأ والجرأة فكانت شتيمته (خلّي الفتاوي عليك والمراجل لينا..)بمثابة ردٍ على كل النصوص الدستورية التي هدفت الى وضع المرجعية في ما تستحق من مكانة.
قبلها، اهينت المرجعية حكومياً مرات عدّة حين اشارت الى الفساد والفاسدين وتصرفات حكومية بعينها عدتها المرجعية الدينية خزقاً لأعين الفقراء في هذا البلد ومشاعرهم ومع ذلك فقد جوبهت بأذن طرشاء لا تقيم إعتبارا لما اعتقد العراقيون بأنه«خط أحمر»ولم تشفع هنا مواقف المرجعية التي ساندت العملية السياسية وأيدت كتابة الدستور بأيد عراقية منتخبة وبالتالي ماكان يمكن أن تكون انتخابات معقولة تأتي بهؤلاء لولا مِنّة المرجعية عليهم.
ومع ذلك،فقد طوحوا برأيها وأهملت السلطة رسائلها وملاحظاتها من على منبرها المباشر وراح بعض النواب يلوح بإبعاد أحد المرجعيات الى خارج العراق بعد الإنتخابات أو هكذا نقلت على الأقل وسائل إعلام مُعينة ولم يكذبها النائب مفتول العضلات.
باختصار الخطوط الحمر تم كسرها منذ زمن في العراق،وربما كانت الواقعة الأهم التي اثبتت أن لا قيمة لكل ما يقال عن اللون الأحمر هي «جلسة البرلمان المفتوحة» التي استمرت خمسة شهور.
تعالوا نفتش عن طريقة ثانية أكثر تأثيراً من الإحتجاج في شارع ضيق طوله بضعة أمتار، مع أهميته ،لكن سكوت السلطات وإهمالها ما قاله هؤلاء المثقفون يستلزم شيئاً اكبر .