المنبرالحر

هيبة الدولة! / مزهر بن مدلول

كلما لاحت بالافق بارقة امل نحو مستقبل افضل، يأتينا تكذيب رسمي!، بأننا واهمون ونهدر وقتنا بالاوهام والحماقات، وانّ (الملهاة) ستستمر حتى (تطلع كَرون براس المواطن)!، فالطريق الى المستقبل الذي نريد، وكما يبدو، يستغرق دهرا كاملا من الجوع والعطش!، ولابدّ ان تسبقنا اليه كاسحات الغام لتطهيره من هزائمنا الكثيرة (النفسية والاقتصادية والاجتماعية)، وحتى ذلك الحين، علينا ان نصبر ونرضى بكسرة من الكرامة.
عندما انتقلت رئاسة الوزراء الى حيدر العبادي بعد صراع كاد ان يؤدي الى اقتتال داخلي، تنفس العراقيون الصعداء بانهم تجنبوا اسوأ السيناريوهات وانهم وضعوا خطوة على سكة الاصلاح، لكنّ (دار ابن لقمان ظلّت على حالها)!، بل اكثر من ذلك، فالدولة ضربها الافلاس، والخراب اخذ يتسلل برشاقة ومن دون عائق الى جميع مؤسسات الدولة وجعل الطريق مفتوحة على مزيد من المفاجأت التي لا احد يستطيع ان يتكهن بما ستجلبه من ويلات.
اما الازمة الاخيرة التي عصفت بالسلطة التشريعية، فلا يمكن تفسيرها الاّ انها ارضاء لنزعة الثأر والتخريب الساكنة في نفوس اولئك الذين انيطت بهم مهمة ادارة الدولة والمجتمع، هذه المسرحية التي كان ابطال مشهدها الاول من الذين غرقوا في مستنقع الريع الى اخمص القدمين، خرجوا في النهار القهّار (ومن دون ان يصوموا ثلاثة ايام)! ليتوجهوا بالضربة القاضية على السياسة في هذه البلاد، ومع كل الاسف، فنحن الذين نخوض معركة الامعاء الخاوية، ونتعلق مثل غريق بأية سعفة، سرعان ما ابهجنا المشهد وصدقناه وصفقنا له ورفعنا شعار (عفا الله عما سلف)!.
اما في المشهد الثاني، فقد رفع المتضررون العصا الغليظة، وراحوا يتسابقون في الدفاع عن وحدة الموقف وهيبة الدولة!، سبحان الله، في طرفة عين، استعاد هؤلاء اصواتهم بعد اعوام من الخرس!، عقود مرّت ودولتنا بلا هيبة، سنين كثيرة وشعبنا يتعرض الى ابشع انواع التهميش وهدر الكرامة، زمن طويل وبلادنا مفتوحة الابواب لمن هبّ ودبّ من جزمات وبساطيل وجواسيس وعصابات، وسلطتنا بفروعها الثلاثة (لا تهش ولا تنش) ولا تفعل اكثر من التنديد والفضح والانتقاد وكأنها منظمة مجتمع مدني وليس سلطة تقود بلد!.
فأين كنتم عن هيبة الدولة عندما تغرق عاصمتها بزخة مطر، عندما تتحول معالمها التاريخية الى ثكنات عسكرية، عندما تموت اشجارها من العطش والملح، عندما يهاجر شبابها ويتشرد علمائها، عندما تختطف نسائها وتباع باسواق النخاسة، عندما لا يذكرها العالم الاّ بالفضائح والهزائم والقفز الى الوراء، متى تعرفون بأنّ هيبة الدولة لا يمكن ان تتحقق ولا تمرّ الاّ عبر استقرارها السياسي ونموها الاقتصادي واحترام كرامة الانسان فيها، لكن، والى ان تعرفوا ذلك، ستبقى اصوات المخلصين تصمّ آذانكم!.