المنبرالحر

علام اعتمد العبادي في اختياره؟ / علي علي

بعد التي واللتيا، واعتصام وفكه، وتوقيع وسحبه، وتظاهر وفضه، و(جيب الليف ودي الليف) يبقى مطلب المواطن الأساس هو الإتيان بأشخاص مهنيين نظيفين (شرفاء) يديرون مؤسسات بلده، بعد أن أخفق الذين أداروها فيما سبق إخفاقا (مايلبس عليه عكال). وقطعا تقع مسؤولية انتقاء هؤلاء على عاتق رئيس الحكومة، ولايخفى أن الأخير هو الآخر أخفق أيما إخفاق فيما أوكل اليه بهذه المهمة. إذ تارة تندرج أسماؤهم في ظرف مغلق، وأخرى بتسريب من هذا السياسي او ذاك، وثالثة يدخل التنجيم والفأل في فك طلسم الأسماء، وفي كل الأحوال تنضوي أسماؤهم تحت عبارة: "منكم وإليكم".. وهي عبارة لطالما سمعناها على ألسنة (الرايح والجاي) من الذين يتسنمون منصبا من مناصب الدولة ولاسيما القيادية منها. والأمر الذي يولد حيرة عند أغلبنا هو كيفية انتقاء الأصلح، وحيثية اصطفاء الأصدق، وماهية المعايير ونوع المكاييل التي اعتمدها العبادي في تقييم المرشحين، لاسيما أن العراقيين سبق لهم أن لدغوا بدل المرة مرات، من الجحر ذاته، والخلل يكمن في أنهم اعتمدوا وحدات قياس ظنوا انها الضمان الأكيد لمصداقية مرشحهم، وأنها ستثمر وتعطي أكلها يانعة، بمجرد اعتلائه المنصب، وتسنمه مهامه المهنية، لكنهم فوجئوا بعد ذلك بواقع مرير، عكس ما توقعوه وراهنوا عليه تماما، وظلوا يدفعون ثمن اختيارهم الخاطئ حتى اللحظة، من سعادتهم وحقوقهم ومستقبلهم وحتى أرواحهم. الناخب اليوم هو رئيس الوزراء العبادي، فهو الذي ينتخب المرشحين، وهو الذي يلعب دور المواطن في الانتخابات السابقة، وحري بالعبادي أن يرجع بذاكرته الى الوراء، وعليه معرفة أن من وحدات القياس التي اعتمدها الناخب بالأمس (المنسوبية)؛ إذ توجه كثيرون الى صناديق الاقتراع دون دراية كافية وإلمام تام عمن سينتخبون، وكل مايعرفون عنه أنه (من ربعنا) او (من جماعتنا)، فراحوا يلونون أصابعهم بنشوة الأمل البنفسجي، وغبطة العثور على المنقذ والمسعف الذي سيحقق لهم -كما وعدهم- مكاسب عدة، منها؛ فرص عمل، رواتب للمعوزين، تحسين البنى التحتية، توفير الخدمات، محاربة الفساد، ملاحقة السارقين... الى آخره من الإنجازات والإعجازات. وكلنا لمسنا صنيع المرشح المنتخب والمشار اليه بالبنان حين (تربع) على كرسي السلطة، كيف قلب لناخبيه ظهر المجن، وأبطل من الوعود ما أطلقه، ونكث من العهود ماقطعه، وناب عن طيب لقياه بأبناء شعبه الأعزاء تجافٍ وصد، فشطح ونطح وصال وجال، وحلق في سماء المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، تاركا (ربعه) و (جماعته) بأسوأ حال مما كانوا عليه، فحق عليه القول:
صلى وصام لأمر كان يقصده
فلما انقضى الأمر لاصلى ولاصاما
وهناك وحدة قياس أخرى تمسك بها بعض الناخبين في الأعراس الثلاثة السابقة، أسفرت عن شهور عسل بطعم الحنظل استمرت ثمانية أعوام، ومازال العرسان وذووهم وأبناؤهم، يتذوقون من الحنظل أشكالا وأصنافا عجيبة غريبة، تلك هي (المحسوبية). إذ خال البعض ان انتماء المرشح الى فئة معينة، يحصنه من الوقوع في شرك الخطأ.. ويقيه من الانزلاق في دهاليز الخطل، ولو وضعوا نصب أعينهم مثلنا القديم القائل: (ماكو زور يخلى من الواويه) لما وقعوا في فخ وحدة القياس الخاطئة. والأمثلة على هذا لايسعها مقالي في مقامي هذا، إذ لو أردت إحصاء الـ (واوية) الذين تناسلوا من جراء المحسوبية في عراقنا الجديد، لتطلب الأمر صفحات عددين او ثلاثة أعداد من صحيفتنا هذه (من الجلد للجلد) علّها تضم أسماءهم في أسطرها، ولا أظن أن الزميلين رئيس التحرير ومدير التحرير سيسمحان لي بهذا، فكل منهما لديه في جعبته من أسماء الـ (واويه) ما لاتحتويه عشرة أعداد، الأمر الذي جعلني وإياهم نكتفي بالإشارة اليها وحسبنا هذا.