المنبرالحر

مسح ضوئي.. عبد الرزاق الصافي ومصرف الرافدين / مقداد مسعود

أستوقفتني طويلا شهادته (على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية) والآن كتابه الجميل بمقالاته الرشيقة (من ذاكرة الزمن ) ،ثمة مقالات تحافظ على روح النكتة العراقية منها الموقف التالي : قاض هزيل في 1946 ( أورد في حكمه ان عصبة مكافحة الصهيونية تعني عصبة نصر الصهيونية ! وإلاّ كان ينبغي ان يكون اسمها عصبة مكافحة ضد الصهيونية!!../23) ويبدو ان القاضي له اجتهادات لغوية ..!! لكن الطريف ، حين (ردّت عليه العصبة ببيان قالت فيه إن قبول ادعاء الحاكم يعني جمعية مكافحة السل في العراق تعمل لنشر السل ،وجمعية مكافحة الامية تعمل على تشجيع الامية ) وتتأرج الطرائف والنكت في الكتاب ، غمرني (فيضان دجلة عام 1954) وموقف الحكومة في (إحداث كسرات في الجانب الايمن من نهر دجلة شمال بغداد ،فأحاطت المياه مدينة بغداد من الشرق والجنوب، وتسربت المياه الى ساحة السراي../ 84) و وأكتسح الفيضان معسكر الرشيد بما فيه من عتاد وأرزاق.. وتجاوزت الخسائر المادية (الثلاثين مليون دينار، يوم كان الدينار ديناراً ويعادل جنيه استرليني كامل)، بالنسبة لي كقارىء غمرني فيضان دجلة في الصفحات الاخيرة من (خمسة أصوات ) رواية غائب طعمة فرمان ، في هذا الفيضان سيبرز دور القوى الوطنية ، وبشهادة المناضل عبد الرزاق الصافي (كنت يومها في الصف الرابع في كلية الحقوق، وقد خرجنا وجموع الطلبة من الكليات الأخرى الى سدة ناظم باشا، شرق بغداد ، أكثر من مرة بناءً على نداء الحزب الشيوعي العراقي واتحاد الطلبة العام لانقاذ بغداد الحبيبة ..) والموجع في هذه الكارثة ان الحكومة بوزير داخليتها سعيد قزاز (لا يكف عن حقده على الوطنيين الغيورين على سلامة العاصمة) وكان كلام الوزير يقتصر على دور الشرطة والجيش والموظفين !! وما جرى في 1954 يذكرني بما يجري الآن فأثناء الفيضان ...(لم يكن هم ّ بعض الوزراء والمسؤولين غير التفكير بإنقاذ عوائلهم ، إذ نقلوها الى الطابق الثامن من مصرف الرافدين حماية لها من الغرق ..)..!! ..نلاحظ ان المسؤولين الكبار في 1954 أبقوا عوائلهم في العراق وتحديدا في بغداد ولم يتسللوا منها قبل الفيضان ولا أثناء الفيضان ، صحيح انهم استقووا بالقوة المالية للدولة ، أعني مصرف الرافدين ، وتأملوا الفيضان من علو شاهق ، لكنهم مكثوا في بغداد ..وبالمقارنة مع معظم مسؤولي الحكومة الآن في 2016، فموقف أولئك اثناء كارثة فيضان 1954، لا يخلو من شرف الموقف الوطني ..