المنبرالحر

بارقة أمل في تطلعات الشغيلة الأمريكية عشية ألأول من أيار / كمال يلدو

مئة وثلاثون عاماً انقضت منذ أن أقرّت (الأممية الثانية) في العام ١٨٨٦ اعتبار يوم الأول من أيار من كل عام، عيداً للشغيلة وتخليداً لشهداء إضراب معامل (ما كورمك) في مدينة شيكاغو، ومناسبة لتأكيد المطالب المشروعة ب ٨ ساعات يوم عمل، وسن قوانين السلامة الصحية والضمان الاجتماعي والعدالة في توزيع الثروات. لقد شهد الكثير من دول العالم على مر هذه العقود، قوانين وبرامج أدت إلى التطور النوعي في حياة الشغيلة، لكن في أماكن أخرى استمر التدهور وشمل أيضاً الإرهاب السياسي مقرونا بتراجع قوانين العمل والسلامة والضمان الصحي والمجتمعي. ولعل الحال في الولايات المتحدة يُظهر الصورة بتجلياتها المتناقضة، إذ ما برحت شريحة الشغيلة ، والطبقة العاملة تفقد يوماً بعد يوم مكاسبها التي حققتها بالنضال والتضحيات الجسام، وذلك نتيجة استشراس سياسة رأس المال الذي وصل إلى أعلى مدياته بعبوره للدول والقارات ووصوله للدور العالمي (العولمة)، والتحكم ليس بالاقتصاد بل وبالسياسة وحتى بمصائر شعوب بأكملها.
من هنا تكمن الأهمية التاريخية لانتعاش دور الحركة النقابية والعمالية في الولايات المتحدة، خاصة بوجود مرشح للرئاسة يعُتبر نصيرا صادقا وحقيقيا لمطالبها المشروعة، وعلى هذا فإن وجود حركة عمالية معافاة في البلد يعني فيما يعنيه وجود إمكانية التأثير على صنّاع القرار، على الأقل ليعملوا لمصلحة الشعب الأمريكي، والشعوب الأخرى أيضاً.
إن نزول المرشح الأمريكي عن الحزب الديمقراطي (برني ساندرز) لسباق الفوز بالرئاسة الأمريكية ، شكل واحدة من أكبر المفاجآت بالسياسية الأمريكية في العقود الأخيرة، ليس في مفردات البرنامج الانتخابي الذي طرحة ، إنما في إعلانه على الملء بأنه اشتراكي، ويهدف إلى تحقيق العدالة والرفاهية لكل الشعب الأمريكي. هذا الإعلان الذي كان من الممكن أن يأخذ صاحبه إلى المقصلة قبل سنين، أصبح اليوم مادة مقبولة سياسيا وإعلامياً وصحفياً، و يغامر كثيرا من يتجرأ على معاداته علنا، لأن هذا الموقف سيمثل انتهاكا لسنن الديمقراطية التي يصونها القانون الأمريكي، لهذا ، فإن معظم الساسة يقبلون ادعاء (ساندرز) ولو على مضض. لكن الطبقة الأكثر ابتهاجا بطروحات (ساندرز) هي الطبقة العمالية أو الشغيلة بصورة عامة ، وفئة الشباب والطلبة خصوصا. ففي مجال العمل برز (ساندرز) بمطالبه في سن قانون (الحد الادنى لأجر ساعة العمل ١٥ دولار) ، وإبقاء المصانع الأمريكية في البلد، وتشجيع الاستثمار في أمريكا من أجل توفير فرص عمل جديدة، كذلك إعادة النظر في (اتفاقية التبادل التجاري المفتوح) ، ووضع ضوابط للمؤسسة المالية (وول ستريت) والحد من سطوتها على القرارات السياسية والاقتصادية، أما للطلبة ، فهو من أكبر الدعاة لمجانية التعليم (الابتدائي حتى الجامعي) والتعامل بعقلانية مع ديون وسلف الطلبة الممنوحة سابقاً.
أن هذه الشعارات والأفكار والطروحات، قد تبدو خيالية أو غير واقعية للبعض الذي يتحدث عن الولايات المتحدة ، لكن لا شيء مستحيل في حركة الشعوب وطموحاتها، ومن ضمنها الطبقة العاملة الأمريكية التي تنتعش آمالها اليوم بصعود نجم هذا المرشح الذي يطرح نفسه نصيرا لحقوقها العادلة. ومع إن فرص وآفاق فوز المرشح (بيرني ساندرز) برئاسة الجمهورية الأمريكية تبدو أقل من فرص منافسته هيلري كلنتون، إلا أن أمراً مهما يلوح في الأفق، وبذورا تلقى في أرضية المجتمع الأمريكي، بأن قبول مرشح ( اشتراكي ـ يساري) لم يعد كُفرا، أو مخالفا للقانون، ولن يتمكن أحدا من المرشحين الذين يطمحون بالحصول على الأغلبية بالانتخابات أن يتفادى الشعارات والمطالب التي تبناها، حتى وإن لم يكن المرشح الأساسي من الحزب الديمقراطي، ولعل من الممكن أن تحمل السنوات القادمة بشائرها حاكما على شاكلته، مثلما كان مستحيلا أن يحكم البلاد شخص أسود كان أجداده لفترة قريبة عبيداً لدى الأسياد البيض.
لا شيء مستحيل في السياسة ولا في كفاح الشعوب ونضالها. فمن كان يتخيل بعد مرور( ١٣٠ ) عاماً ، بأن مرشح للرئاسة الأمريكية سيشارك الشغيلة احتفالاتهم في عيدهم الأغر بالأول من أيار المجيد.