المنبرالحر

إلى أين تسعى يا كلكامش؟ تداعيات أفكار / ناصر حسين

كلكامش الذي تتحدث عنه الملحمة ووصفه شاعرها بأنه (( الذي رأى كل شيء ، وعرف كل شيء ))، أصابه الجزع وهو يشاهد جثة صديقة أنكيدو قد أصابها ما أصابها عندما أبقاها بالقرب منه لثلاثة أيام في مكتب الملوكية في العاصمة السومرية – أوروك – وأخذ يتساءل مع نفسه ويتصور ، ما سيحل به عندما يموت أيضاً .
كلكامش رفض الموت وأصر على أن يكون من الخالدين ، وكم كان واهماً عندما كان ينظر إلى نفسه على أنه أبن الإلهة أنليل وعليه لا يمكن للموت أن يقترب منه .
ومع إصراره على ذلك قرر أن يهيم على وجه في البراري يبحث عن سر الخلود وليس عن (( عشبة الخلود )) كما ورد فيما كتبه مؤخراً أحد الأعزة .
كلكامش جمع مجلس الشيوخ ، ففي أوروك كان قد وجد أول برلمان في تاريخ الإنسانية وكان يتكون كما تؤكد الملحمة من مجلسين : مجلس الشيوخ ومجلس المقاتلين .
طرح على مجلس الشيوخ ما قرره مع نفسه وسلم للمجلس مقاليد السلطة في مملكة أوروك – الوركاء – وغادر المملكة . وفي كل تجربة يمر بها كان يواجه الفشل سواء كان مع العارفة أو مع صاحبة الحانة أو مع الحكيم أوتونا بشتم . والتفاصيل الكاملة عن هذه التجارب مثبته في الملحمة .
كلكامش عندما طرح على صاحبة الحانة ما يفكر به وما يسعى إليه أجابته ببضعة أبيات من الشعر وهي تؤكد له خطأ ما يقوم به .
(( الى أين تسعى يا كلكامش ؟ ))
(( إن الحياة التي تبغي لن تجد ))
(( فان إلهة الانوناكي العظام عندما فصلت الأرض عن السماء اختارت لنفسها السماء والخلود وقررت للبشر الأرض والموت )) وأخذت توصيه :
(( أجعل كرشك مليئاً على الدوام ))
(( أقم الأفراح والمسرات كل صباح ومساء ))
(( وادهن جسمك بالزيت ))
(( وارتدي الملابس الزاهية ))
(( وأسعد المرأة التي بين أحضانك ))
(( وافرح الطفل الذي يمسك بيدك ويسير إلى جنبك ))
(( وهذا هو نصيبك من الحياة يا كلكامش ))
فالى اين تسعى ياكلكامش ؟
هكذا وجدتني أردد فوراً مع نفسي هذا السؤال وأنا أتطلع في الصورة المرفقة للشهيد جيفارا و التي أهديت إلي من قبل الدكتور رياض كتاب كاظم ضمن مجموعة – من الصور للشهيد جيفارا ، شهيد الفكر والطهارة الثورية .
جيفارا كما يظهر في الصورة والى جنبه صورة للجزيرة الكوبية ، كان يحث الخطى مغادراً مكتبه في العاصمة هافانا ، فالى أين تسعى يا كلكامش هل إلى حيث كنت جيفارا الصح أم إلى حيث كنت جيفارا الخطأ ؟
الشهيد جيفارا ، أبن الأرجنتين الباسل ، المنفي خارج بلاده ، نزل الى الشاطئ الكوبي في 26 / تموز / 1956 ضمن مجموعة من المناضلين الكوبيين بقيادة القائد الوطني الشجاع فيدل كاسترو وتوجهت فوراً إلى سلسلة جبال سيرامايسترا لتتخذ منها قاعدة لفعالياتها الثورية ضد سلطة باتستا الدكتاتوية الاستبدادية الخاضعة للسيطرة الاجنبية .
وبمساعدة من الشعب الكوبي لأبنائه البواسل الذين أمدهم عن طيب خاطر بالمال والغذاء والدواء والكساء والسلاح والرجال ليدخلوا العاصمة الكوبية صباح يوم 1/1/1959 ظافرين منتصرين ، دخلوها من ثلاثة أتجاهات بثلاثة جيوش جرارة : أحدها بقيادة فيدل والثاني بقيادة شقيقه راوؤل – رئيس جمهورية كوبا حالياً ، والثالث بقيادة الشهيد جيفارا وليجدوا سلطة – الدكتاتور قد تبخرت تماماً من العاصمة الكوبية ، تماماً كما تبخرت سلطة الطاغية صدام حسين يوم 9/4/2003 .
جيفارا الذي أشغل وزارة الصناعة الكوبية منذ انتصار الثورة فاجأ الكل عندما أعلن فيدل كاسترو بان جيفارا أعاد إلى الزعامة الكوبية هوية المواطنة الكوبية التي منحت اليه كي لا يتحمل الشعب الكوبي والسلطة الكوبية مسؤولية نشاطاته المقبلة ، كما ورد في الرسالة وغادر إلى حيث يحتاج الآخرون مساهمته معهم في نضالهم ضد حكوماتهم المعادية لشعوبهم .
توجه أولاً إلى أفريقيا ، مساهماً مع ثوارها في نشاطاتهم الثورية وحيث كان جيفارا الصح . وبعدها انتقل إلى بوليفيا حيث كان جيفارا الخطأ .
جيفارا الطهارة الثورية نسى أن تجارب الشعوب لا تستنسخ . فأذا كان بأمكان الثوار الكوبيين أحراق هذه المزرعة من مزارع قصب السكر أو تلك لم يجدوا من يعترضهم من الكوبيين لأنها كانت أملاكاً لشركات استعمارية أجنبية فلا يولد أحراقها أي ضرر للشعب الكوبي ، أما في يوليفيا فلم يكن بالامكان تكرار هذه التجربة فالمزارع والغابات لم تكن قد وصلتها أذرع الاخطبوط الرأسمالي الاستعماري الأجنبي . وبدلاً من المساعدة المطلقة والتأييد المطلق الذي كان يتوقعه جيفارا من الفلاحين البوليفيين قوبل بالحذر . وأخيراً سمح بعضهم لأنفسهم أن يدلوا عصابات السي أي أي على أماكن تواجد جيفارا ورفاقه الميامين ، تماماً مثلما فعل لدينا بعض صيادي الأسماك في هور الناصرية عندما حاول البعض من جماعة القيادة المركزية بقيادة الشهيد خالد أحمد زكي إقامة بعض القواعد لممارسة (( كفاح مسلح )) في أهوار منطقة الغموكة أواخر عام 1967 أوائل عام 1968 وعندما تكررت المحاولة أواخر عام 1968 أوائل العام 1969 ، ليصبح وهو جريح ، اسيراً لدى السي . أي . أي ، وليواجه الموت بشجاعة الفرسان الفائقة كما واجهها من قبل سقراط وغاليلو ، جابايف روزا لوكسميورغ وكارل لبكنخت ، فوجيك ، لوركا ، ارنست تلمان ، صلاح الدين الصباغ ، فهد ، الشبيبي وزكي محمد بيسم ، عطا مهدي الدباس وعلي الشيخ حمود ، سلام عادل ، أبو العيس وحسن عوينة ، حمزة سلمان ، داود سلمان الجنابي ، جمال الحيدري ، العبلي وعبد الجبار وهبي أبو سعيد عبد الرزاق علي بيج ، منذر أبو العيس ، سعيد متروك ، عطا الله جميل ، محمد أحمد الخضري ، عبد العال العرداوي ، عباس ابو اللول ، وضاح حسن ، وكامل شياع ، والقائمة تطول .
مجداً شامخاً جيفارا .
والمجد كل المجد لجميع شهيدات الإنسانية وشهدائها .