المنبرالحر

المنتدى الاقتصادي للقطاع الخاص العراقي والتحديات التي تواجهه / عادل عبد الزهرة شبيب

في السابع والعشرين من شباط 2016 اجتمعت المجالس والاتحادات التي تمثل القطاع الخاص العراقي في بغداد لتعلن انطلاق وتأسيس تجمعهم الجديد (المنتدى الاقتصادي العراقي) ليكون عونا وسندا وشريكا فاعلا للحكومة والمساهمة في صنع القرار الاقتصادي السليم الذي من شأنه بناء واعمار العراق واستكمالا للخطوة الاولى للمؤتمر التأسيسي الذي عقد في عمان عام 2015 , حسبما جاء في البيان الصادر عن التجمع الجديد .
ويضم المنتدى الاقتصادي العراقي تسع مؤسسات ومنظمات واتحادات اقتصادية ومالية عراقية تابعة للقطاع الخاص تتمثل في : ( رابطة المصارف الخاصة العراقية ومجلس الاعمال الوطني العراقي واتحاد الغرف التجارية العراقية واتحاد الصناعات العراقي واتحاد الجمعيات الفلاحية واتحاد المقاولين العراقيين والتجمع الاقتصادي العراقي ومجلس الاعمال العراقي في الاردن ومجلس الاعمال العراقي في ابوظبي).
يمكن اعتبار القطاع الخاص أحد المفاصل الرئيسة لاقتصادنا الوطني وهو يعود بتاريخه إلى عهد الدولة العثمانية وبشكل خاص أيام حكم مدحت باشا (1869- 1872) حيث انتعشت طبقة التجار وأنشئت البنوك برؤوس أموال أجنبية وأصدرت الحكومة العثمانية قانون تشجيع الصنائع عام 1913.
وفي عهد الاحتلال البريطاني للعراق توجهت الحكومة إلى دعم شيوخ العشائر والملاكين وخلق فئات اقتصادية داخل المجتمع العراقي تتعاون معها وتمثل مصالحها بهدف منع قيام صناعة حقيقية وإبقاء العراق سوقا مفتوحة أمام البضائع الانكليزية وهذا هو احد أهداف استعمار العراق. وشهد العراق خلال هذه الفترة اقامة مشاريع استثمارية زراعية.
وعند قيام الحكم الملكي في العراق وتشكيل الدولة العراقية عام 1921 ’بدأ القطاع العراقي الخاص إنشاء صناعة وطنية حديثة مع صدور قانون تشجيع المشاريع الصناعية لسنة 1929 ونشط القطاع الخاص في هذه الفترة بإقامة عدة مشاريع في صناعة المنسوجات الصوفية والسكائر والشخاط والجلود والاحذية والصابون والمشروبات الكحولية والصناعات الغذائية والانشائية ومعامل الطابوق. وبرز خلال هذه الفترة عدد من الصناعيين في القطاع الخاص امثال محمد حديد وفتاح باشا في بغداد ومصطفى الصابونجي في الموصل . وازداد عدد المشاريع الصناعية ليصبح عام 1945 (96) مشروعا كما انشئت شركة الزيوت النباتية عام 1939. وكان للمصرف الزراعي الصناعي دور في دفع نشاط القطاع الخاص الى الامام الى جانب اتحاد الصناعات العراقي الذي تأسس بموجب القانون رقم 52 لسنة 1956الذي شجع قيام المشاريع الصناعية وقدم الحماية لها .
وبعد ثورة 14 تموز 1958 اعتمدت الدولة على التخطيط في مجال القطاع الصناعي العام والخاص وتم دعم القطاع الخاص وتقديم التسهيلات له وتوسعت الدولة بإقامة مشاريع صناعية عديدة من خلال الاتفاقية العراقية- السوفياتية وترك مجال الصناعات الخفيفة في يد القطاع الخاص. وفي عام 1963 حصلت انتكاسة للوضع الاقتصادي والسياسي ولمختلف الأوضاع بانقلاب شباط الاسود وكان لقرارات تأميم مؤسسات ومشاريع القطاع الخاص عام 1964 اثر سلبي على نشاطات رجال الاعمال والصناعيين وكبار التجار ما ادى الى هرب رؤوس الاموال والكفاءات الصناعية الى خارج العراق وبهذا الصدد فقد تم تأميم 27 مشروعا صناعيا وشركات مصارف اهلية بقانون رقم 99 اضافة لتأميم مصانع الاسمنت والسكائر والمطاحن والغزل والنسيج والاحذية ومصانع الورق والزيوت النباتية ما ادى الى تراجع القطاع الصناعي الخاص والذي اثر بدوره على معدلات النمو الاقتصادي.
وفي فترة السبعينات من القرن الماضي انتعشت الحركة الاقتصادية في العراق بعد تأميم النفط وحصول العراق على عوائد مالية كبيرة نتيجة ارتفاع اسعار النفط واتجهت الدولة في حينه لإقامة الصناعات الاستراتيجية وتشجيع القطاع الصناعي الخاص بالتشريعات والقروض والاعفاءات الجمركية ,الا ان نشوب الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 قد دمرت الاقتصاد العراقي وشلت حركته وتمت عسكرة الاقتصاد واستمر الوضع بعد غزو العراق للكويت وحرب الخليج والحصار الاقتصادي ,ثم ازداد وضع القطاع الصناعي والزراعي سوءا بعد سقوط النظام المقبور عام 2003 وسيطرة الاحتلال الامريكي على مجريات الامور حيث عمت الفوضى والنهب وتخريب المؤسسات و بلغت مساهمة هذا القطاع ادنى مستوياتها (1,2 ) من الناتج الاجمالي المحلي.
القطاع الخاص بعد نيسان 2003 :
بعد عام 2003 رفعت العديد من القيود التي كانت مفروضة على نشاط القطاع الخاص وظهرت العديد من الشركات الخاصة, وشجع الاحتلال الامريكي اقتصاد السوق الا ان هناك العديد من العراقيل التي كانت وما زالت تعيق نشاط القطاع الخاص .ويمكن الاشارة الى أن نمو القطاع الخاص في العراق دليل على النمو العام لاقتصاد البلد. لقد نمت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي من معدل سالب مقداره (26,2 في المئة) عام 2003 إلى معدل سنوي موجب مقداره (25,3 في المئة) عام 2008 حيث ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي من (25 في المئة ) عام 2002 إلى 28 في المئة عام 2008. أما مساهمة القطاع الخاص في اجمالي تكوين رأس المال الثابت فكانت متواضعة جدا اذ شهد تراجعا من 18 في المئة عام 2002 إلى ما نسبته 2,6 في المئة عام 2008 بسبب عدم اقدامه على الاستثمار الا في مجالات محدودة معظمها تجارية . كما انخفضت مساهمة القطاع الخاص الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي من 34,2 في المئة عام 2002 إلى 20,9 في المئة عام 2005 ثم انخفضت عام 2008 الى نحو 11,5 في المئة.
أما بالنسبة للقطاع الصناعي الخاص فقد تضاءلت مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي بين 2,8 – 1,7 في المئة للفترة من 2002 – 2008 بسبب عدم كفاءة مشاريع القطاع الصناعي الخاص في تحقيق الايرادات الضرورية بسبب محدودية الانتاج نتيجة الدمار الذي اصاب هذا القطاع بعد عام 2003.*
اضافة إلى ذلك فللقطاع الخاص العراقي مساهمات مهمة في قطاع البناء والتشييد الذي شهد ارتفاعا بعد عام 2003 لارتفاع دخل الفرد وتفعيل آليات الاقراض للمواطنين من قبل الدولة وكذلك الحال بالنسبة للقطاع التجاري الخاص الذي شهد انتعاشا بعد 2003 . وللقطاع الخاص مساهمة ايضا في قطاع النقل الخاص وخاصة النقل في الحافلات. وفي ما يتعلق بالقطاع المصرفي الخاص فقد شهد توسعا بعد 2003 لكن مساهمته لا تزيد عن 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2008 بسبب وجود ازمة ثقة ازاء المصارف الخاصة. وللقطاع الخاص نشاط في قطاعات الصحة والتعليم والسياحة يمكن تطويرها .
الا أن القطاع الخاص العراقي يواجه عدة تحديات وعراقيل تتمثل في :
1. التحدي الامني والعمليات العسكرية مع داعش .
2. تحدي البنية التحتية .
3. انعدام التمويل للكثير من المشاريع الحكومية .
4. سوء الادارة للملف الاقتصادي .
5. مشكلة الايدي العاملة الماهرة .
6. الروتين الاداري والفساد.
7. عدم الاستقرار السياسي .
8. سياسة الاستيراد المفتوح واغراق السوق بمختلف المنتجات الزراعية والصناعية .
9. عدم ملاءمة مناخ الاستثمار وغياب الادوات المالية الفاعلة .
10. هرب رؤوس الاموال الى الخارج.
11. تقادم وتعقيد القوانين والتنظيمات المصممين أساسا لاقتصاد مخطط مركزيا,.
تعتبر مسألة تطوير القطاع الخاص مسألة جوهرية وفي هذا يقع الامر على عاتق اصحاب القرار لتفعيل دوره في النشاط الاقتصادي واطلاق حزم من السياسات لتحفيز هذا القطاع في المرحلة الراهنة .
ومن الضروري اجراء الاصلاحات والمعالجات التشريعية لغرض دعم نشاط القطاع الخاص ومكافحة الفساد المالي والاداري حيث تعرض هذا القطاع الى التهميش واضعاف دوره بسبب السياسات المتبعة واصبح القطاع التجاري اليوم في العراق هو القطاع الرئيس وليس القطاع الصناعي رغم ان العراق يمتلك الموارد الاقتصادية والثروات المعدنية المختلفة ويمتلك النفط والغاز, الا ان سياسة الباب المفتوح واغراق السوق بالمنتجات الاجنبية بما فيها الرديئة وغياب الدعم الحكومي والتدهور الامني والطائفي الذي ادى الى هجرة رؤوس الاموال لرجال الاعمال العراقيين الى الخارج وتشير الاحصائيات الى ان مايقرب من (600) شركة صناعية في العراق قد توقفت عن العمل بعد عام 2003 ,والقطاع الخاص بوضعه الحالي غير قادر على النهوض بواقع التنمية الاقتصادية في البلاد وهو بحاجة الى دعم الدولة بشكل كامل, فالاقتصاد العراقي مازال اقتصادا ريعيا يعيش على تصدير النفط بينما الزراعة معدومة حيث يعتمد العراق على تأمين سلة غذائه عن طريق الاستيراد والصناعة متوقفة غير قادرة على منافسة المنتجات الاجنبية التي يغرق بها السوق العراقية ,ولذلك فانه من الضروري:
1.توفير الاستقرار السياسي والامني الذي هو ضروري لممارسة القطاع الخاص لنشاطه فلا نشاط للقطاع الخاص من دون ذلك.
2.تشخيص المعوقات التي تواجه القطاع الخاص من اجل وضع الحلول اللازمة لها.
3.تشريع القوانين التي تدعم هذا القطاع.
4.تأهيل المناطق الصناعية القائمة والتخطيط لمدن صناعية جديدة.
5.تفعيل قانون الاستثمار وتقديم التسهيلات لدعم نشاطه.
6. تقديم القروض الميسرة وبفوائد بسيطة.
7.الغاء الديون القديمة المترتبة في ذمة الصناعيين للفترة التي توقف فيها نشاطهم بسبب اوضاع البلد التي ليس لهم دخل فيها.
8.االاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات في الفعاليات الاستثمارية للقطاع الخاص.
ان فترة ما بعد نيسان 2003 هي امتداد للفترة التي سبقتها والتي مازالت تتميز بزيادة التفاوت الاجتماعي وتنامي البطالة وتعاظم التهميش الاجتماعي وتميزت هذه الفترة بظهور جماعات تغيرت اوضاعها الاقتصادية بسرعة قياسية بفعل ما نهبت من موارد الدولة ومؤسساتها المالية والاقتصادية وما ابتزته من المواطنين والتي تعرف محليا بـ (الحواسم) ,والقطاع الخاص مازال يعاني الضعف والتهميش وهو اليوم مرهون بنموه وتطوره بحماية الدولة .
ـــــــــــــــــــ
* الحوار المتمدن / نبيل جعفر عبد الرضا (حجم القطاع الخاص في العراق ).