المنبرالحر

المرأة والكلب/ طه رشيد

امرأة اوربية ، في الخمسين ،  تقود سيارتها بطمأنينة.. لم تسجل في ملفها الشخصي، الذي تجاوز عمره اكثر من ثلاثين سنة،  اية مخالفة مهمة باستثناء بعض الحوادث التي تعود لايام الشباب حين كانت تفتقر للخبرة الكافية لسياقة السيارة . علما ان معظم تلك الحوادث لم تكن بسببها بل تقع مسؤوليتها على اطراف اخرى.

في نهار  يوم أحد  ربيعي وقد اشرقت شمس خجولة بشكل مبكر ، اخذت سيارتها ، في شوارع تكاد تخلو من المارة والسيارات ، وتقودها بهدوء وانسيابية ولم يعكر صفوها الا ذلك الكلب الصغير الذي أفلت من رباط سيدته وكاد يتدحرج امام العجلات لولا سرعة رد فعل المرأة التي اوقفت سيارتها في الحال .. لم تكف كوابح السيارة لتفادي الصدمة تركت مقودها ونزلت مضطربة تعتذر من صاحبة الكلب التي بدورها كانت تعتذر عن عدم الامساك بكلبها .. صعدن مجددا في السيارة وانطلقن لاقرب مستوصف بيطري..

اجريت الفحوص اللازمة للكلب بما فيها الاشعة والسونار والمفراس والرنين ، وطمأن الطبيب السيدتين ان الكلب لا يعاني الا من رضوض بسيطة.

قامت السيدة بايصال الكلب وصاحبته الى دارها مستغنية عن التبضع من سوق الاحد  واعتذرت مجددا عما حدث متمنية للكلب الشفاء العاجل.

لم تنته قصة الكلب ولم يطو ملفه بسهولة ، فبعد اشهر تلقت السيدة صاحبة السيارة بلاغا من احد القضاة يدعوها لحضور جلسة في احدى المحاكم، لان السيدة صاحبة الكلب قدمت شكوى مرفقة بتقارير طبية واختبارات، مؤكدة بان كلبها يعاني من مرض نفسي نتيجة الصدمة، وهو يشعر بالخوف والذعر من السيارات في كل مرة تخرج معه للنزهة او لقضاء حاجته.

المهم ان المحكمة صادقت على ان يدفع تأمين صاحبة السيارة كل مستلزمات علاج الكلب الى حين شفائه ، وهذا يستلزم عرض الكلب على طبيب نفساني بشكل دوري.

السؤال الملح هو: هنا في بغداد، من يتحمل نفقات علاج الامراض النفسية التي يعاني منها شبابنا  وأطفالنا  الذين كانوا شهودا على تفجيرات قاتلة واغتيالات مدمرة وكواتم صوت فتاكة ؟

هل فكرنا باصلاح الوضع النفسي لاطفال أبصروا بعيونهم ذبح آبائهم او اخوانهم ؟

هل فكرنا بعلاج أولئك التلاميذ الذين عايشوا مذابح لزملائهم في المدارس ؟

هل فكرنا في كيف نعالج النساء اللاتي حوصرن في الاسواق الشعبية بين اكوام من الجثث ؟

وهل توجد مراكز علاج نفسي توازي عدد ضحايا الارهاب في بغداد خاصة وفي العراق عامة ؟