المنبرالحر

الفساد المالي وأثره على الاقتصاد / رياض عبيد سعودي

الفساد المالي يزاحم الإرهاب في تأثيراته التخريبية لأوجه الحياة في العراق، الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عموماً، فكل الجرعات التي تحاول الدولة من خلالها معالجة هذا المرض الخبيث، بقيت مع الأسف الشديد، عاجزة عن تحقيق تغيير ايجابي ولو بدرجات ضعيفة فيه، لان الدولة بكل مؤسساتها الدستورية تعيش حالة متطورة من هذا المرض حيث أنه مستشر في جميع مفاصلها. ومن المخيب للآمال ان قيادات سياسية وإدارية تمارس عملياً او تقف متسمرة أمام شبهات الفساد !
فأرقام تقرير هيئة النزاهة لعام 2011 تشير الى أن من بين المطلوبين بتهم فساد 18 وزيرا و154 مديراً عاماً فأعلى ومن بدرجتهم. وان عدد المطلوبين بأوامر استقدام من هذه الدرجات خلال الفترة (2006- 2011) وصل الى (464) متهماً بلغ عدد الذين صدر بحقهم حكم قضائي بالإدانة (8) وزراء ومن بدرجتهم و(20) مديراً عاماً ومن بدرجتهم و(8) من مرشحي انتخاب مجلس النواب و(11) من مرشحي انتخاب مجالس المحافظات.
وهذا مبعث الخطورة الذي يشير الى المساحة الكبيرة التي ينتشر فيها الفساد. أذن.. من يحارب الفساد اذا كان هذا العدد الكبير من الوزراء والمدراء العامين والشخصيات من الدرجات الوظيفية العليا هي المتهمة؟!
وما يثير الشبهات حول دور سلبي لبعض الكتل السياسية للتستر على المفسدين، من خلال الضغط على القضاء وهيئة النزاهة، هو عدد ممن أوقفت الإجراءات الجزائية نهائياً بحقهم لعدم موافقة الوزير او المرجع الإداري الذي يتبعه المتهم بحكم المادة (136/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية (413) متهماً في دعاوى بلغ عددها (163) دعوى جزائية وذلك خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2011 فقط، علماً بأنه تم إيقاف العمل بهذه المادة بتاريخ 1/6/2011 وإلغاؤها بالقانون رقم (28) لسنة 2011.
ولو تتبعنا حالة المتهمين بالفساد لوجدنا ان عدد الوزراء ومن هم بدرجتهم ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية بالإدانة (18) وزيراً و(20) مديراً عاماً وممن بدرجتهم صدر بحقهم (75) حكماً قضائياً و(8) من مرشحي انتخابات مجلس النواب و(60) من مرشحي مجالس المحافظات.. فكيف يمكن تصور ان بالإمكان تفعيل إجراءات الكشف والمتابعة؟ وكيف لمثل هذه الأعداد من المتهمين ذوي النفوذ أن لا يعرقلوا مسيرة الإنماء وتعطيل إمكانيات الدولة في تنفيذ مشاريعها؟
هذا جزء من عملية التخريب الاقتصادي بل جزء مهم منها. فالأضرار الاقتصادية المادية المباشرة تكشفها قيمة الفساد التي بلغت في عام 2011 بحدود أكثر من (5.8) مليارات دينار وهي لا تشكل أكثر من 10% بالمائة فقط من حجم الآثار المادية الحقيقية للفساد غير المكتشفة.
أما حالات الفساد غير المباشرة فأنها تمتد من ارتفاع الكلفة للمشاريع على العموم إلى دخول عنصر مهم في حسابات الفساد الذي يتمثل في العمولات والرشاوى وغيرها من الإضافات التي يضطر صاحب المشروع إدخالها ضمن حساباته لمواجهة طلبات إدارات الدولة، وإلا سيواجه رفض عرضه من الجهة المعنية.
وكذلك قد يمارس المتنفذون في كثير من الحالات شراء عقارات الدولة من الأراضي والعقارات بأسعار منخفضة جدالاً تتناسب مع قيمتها الحقيقية التي تحددها المساحة والموقع ودرجة الاعمار وغيرها، وفي ذلك حتماً خسارة كبيرة للاقتصاد العراقي وسلباً لحقوق المواطنين بشكل عام، وأحداث امتلاك الأراضي في النجف وأراضي العطيفية على ضفاف دجلة في بغداد وغيرها مما لا يعد ولا يحصى دليل على نزعة السلب لعقارات الدولة التي ينفذها بعض المتنفذين تحت مسميات وأغطية كثيرة.
ليس هذا فقط فجودة المشاريع ونوعية المواصفات صورة أخرى من صور وآثار الفساد والشواهد كثيرة في تصدع المجسرات، وخراب الأرصفة، وتوقف محطات توليد الطاقة وغيرها، وتوقف بعض المشاريع بسبب عدم تدقيق الجهات الرسمية على المقاولين للمواصفات وبرامج التنفيذ. هذا إلى جانب السماح بتأخير تنفيذ المشاريع تحت أعذار كثيرة خلاف فقرات التنفيذ المنصوص عليها في العقود.
ومن المهم ان الخطورة لا تنحصر فيما ذهبنا إليه فقط وإنما تمتد الى عرقلة تنفيذ خطط واستراتيجيات الدولة من قبل المسؤولين الكبار والتراخي في تنفيذ ما يوكل إليهم، ولنا في نسب التنفيذ لبرامج وخطط المحافظات التي لا تزيد في أكثر منها على (50) بالمائة، دليل واضح على ذلك، وتفشي ظاهرة وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب لاسيما من المحسوبين على الكتلة او الحزب السياسي الذي يدير مؤسسة او وزارة وآثار ذلك على تحقيق تلك الاستراتيجيات بالشكل الدقيق وحسب توقيتاتها سيما الاقتصادية منها.
فالفساد ليس له آثار مادية مباشرة فقط. وإنما الخطورة في آثاره غير المباشرة والتي يحتملها رسم وتنفيذ كل خطط الدولة ومهما يكن فأن محاولة حصر تأثيرات الفساد تمتد على مساحة واسعة وكبيرة لا تنتهي بحسابات قضية فساد لوحدها ولا بالقيمة المادية لها وإنما بتعطيل حركة الاقتصاد وهو الضرر الأكثر خطورة وهو ما نلاحظه الآن في معظم مفاصل الاقتصاد.