المنبرالحر

حين تكون الشراكة في النوح والعويل / علي علي

على الرغم من فرحة النصر وتحرير ما سلب من أراضٍ، والبشائر التي تترى على مسامعنا ساعة بعد أخرى، إلا أن حقيقة مريرة مازالت تقض مضاجع المواطنين، وتقلق حياتهم اليومية، فتنغص فرحتهم وتعكر تمتعهم بها، تلك الحقيقة هي الوضع الذي آلت اليه البلاد من تأخير إقرار قوانين وتنفيذ ما شُرع منها، الى تردي الخدمات وتفشي الفساد بفنونه وأصنافه كافة. إذ نرى ان أغلب ساسة البلد وأصحاب القرار مازالوا كما يقول مثلنا: (يخوطون بصف الاستكان) وكأن شيئا لم يكن. إذ هم في شغل شاغل عن هموم الشعب وبعيدون كل البعد عن تحقيق مايصبو اليه –وهو من صلب واجبهم- فلم ير المواطن الذي سلم الحال والمال والعيال بأيديهم إلا عشر معشار ماكان يأمل منهم، فهم في واد وهو في واد (يتفرج) وكأني بلسان حاله يردد بيت الملا عبود الكرخي، من قصيدته التي نظمها قبل ثمانين عاما واصفا البرلمان آنذاك، والتي لم أبرح ذكر ماتيسر لي من أبياتها بين الفينة والأخرى، كشاهد حي وناطق صدق أضمن بها مقالاتي، يقول الكرخي:
اتشوف واحدهم امعمم بالوقار
وبالأصل تاريخه اسود كله عار
ابظرف سـنتين مليونير صار
ايريد عالوادم ايعبّـرله چلچ
قيـَّـم الرگاع من ديـرة عفچ
ومن يتصفح منا أخبار يومه وأنباء برلمانه ونتائج اجتماعات أعضائه عله يجد متنفسا لضائقة العراقيين، أو حلا لعقدتهم الشائكة يصطدم بأخبار لاتسره، فأول العناوين البارزة والسمات الراسخة في مجلس النواب على صعيد الوضع الداخلي، أنه مافتئ يتهم الحكومة بالتقصير والتباطؤ في تقديم الخدمات، وينتقد على الدوام التلكؤ الحاصل في مؤسساتها وهيئاتها الإدارية والخدمية، وهو أول من يصب الزيت فوق النار لتأخير أعمال الحكومة ومفاصلها في تقديم الأفضل للبلد، إذ لطالما تهجم نائب ممن كان بالأمس أيام الانتخابات أمام ناخبيه (أنعم من الدخن) على جميع مفاصل الدولة و(يقلب ظهر المجن) ويؤجج و (يعجج) ويتبجح بأن ما ينعكس من تردٍ في أداء الوزارات ليس للمجلس التشريعي يد فيه، فيلقي اللوم كل اللوم على هيئات المجلس التنفيذي، وفي حقيقة الأمر أن الإثنين قد تشاركا في الهدم والتقويض، في وقت كان حريا بهم المشاركة بالبناء والإعمار، يذكرني ديدنهم هذا ببيتي شعر لأبي فراس الحمداني يقول فيهما:
أيا جارة ماأنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
كما تلزمني الذاكرة على إدراج ماقاله شاعر الأبوذية مجاراة لأبي فراس حيث قال:
يسر گلبي سرورك وانتشارك
وانا كالطير عندك وانت شارك
نحط همي ويه همك ونتشارك
عليك البچه وآنا النوح اليه
فهل وصل الأمر بمجالسنا أن يضعونا بين خيارات عسيرة، تتنوع بين التقشف وانحسار فرص العمل من جهة، وشحة الخدمات وانعدام الأمن من جهة ثانية، يقابلها تفشي الفساد وتعاظم سرقات الحيتان الضخام في مؤسسات الدولة من جهة ثالثة، وبين هذا وذاك ما على المواطن المسكين إلا مشاركة أخيه المسكين مثله بهذه المعطيات، وكما قال مثلنا؛ (تريد أرنب أخذ أرنب.. تريد غزال أخذ أرنب)..!